عفاف خليفة
على جدارٍ متآكل يملؤه الصدى، وآخر تشرب رطوبة موسم حافلٍ بالأمطار.
في زقاق لا يرتاده إلا بعض المارة، وزّعت عدد من اللوحات وبشكل عشوائي، يُهيؤ للبعض بأن هناك من تعمد تعليقها على هذه الهيئة. ويُخيل لآخرين بأنه نوع من العبث واللامبالاة.
ربما نسي صاحب اللوحات أن يترك اسمه في زاوية بعض اللوحات؛ لكنه رسم على الهامش منها حروفاً باللغة اللاتينية، يبدو أنها ترمز له.
(أظنني أضعت الطريق نحو مرسم للفن التشكيلي)، فما كان أمامي إلا أن أبدأ في فك شفرة ذاك الجدار (الألوان المتداخلة- الشخوص غير المكتملة- الحروف التي بدت أرقاماً- الدلالات المتلاحقة- العمق المُواري).
ومن هنا بدأ السؤال:
- من أين تبدأ رحلة هذه اللوحات؟
يستغرب البعض التساؤل لوضوح الإجابة لديه، فيبدأ بالقول ببساطة:
- عَزَلَ الفنان نفسه، وفكّر برسم لوحةٍ عكف عليها قرابة اليومين أو الثلاثة، فكانت لوحة!.
لكنني أجد في هذه الإجابة نقصٌا لا يُرضي فضولي الجامح.
فلست ممن يُتقنون الفن أو الرسم، لكنني أراقب بين الحين والآخر لوحات لفنانين أعرفهم بمحض الصدفة. وطالما قلت إن النظر للوحات بالمرور أمامها سريعاً ليس كافياً، فلم تُرسم هذه اللوحات على عجل؟!
تماماً كمن يقتني كتاباً ويقرؤ في سويعات قليلة، وينسى ما قرأه سريعاً.
يقول جانيت وينتر سون:
(إن الاتصال بين عقلك وعقل القارئ هو اللغة، والقراءة ليست عملية تخاطر).
إذن يبدو أن الشطر الأول مما قاله الكاتب يخص بالدرجة الأولى اللوحة، فهي أدبٌ من نوع آخر، له لغة خاصة تحتاج لمن يفهمها ويترجمها بأسلوب مقنع.
أما الشطر الآخر فهو يدعونا للتأني في القراءة. فما يُكتب ليس موجهاً لك شخصياً.
لا يمكن أن يبدأ المؤلف في مخاطبتك بصورة صريحة واضحة رغم امتهان بعض الكُتاب هذا النوع من الكتابة؛ إلا أن الأغلبية منهم يكتبون للقراء عامة.
هناك من يقرأ ليقرأ الكِتاب، وهناك من يقرأ ليصل إلى الكاتب، وهناك من يقرأ للقراءة، وهناك من يتأنّى في القراءة احتراماً للقراءة. يتفق هنا الفلاسفة حول نمط وأسلوب القراءة لدى البعض، وتلك حجّة أخرى لإنصاف مجتمع القراء. فبدراسة هذه الأنماط يصبح القارئ واحداً لا مجموع له؟.
الكاتب (هاروكي موراكامي) يقول: «لا أندفع في القراءة كأنني في سباق، بل أعيد قراءة الأجزاء التي أعتقد أنها الأهم، حتى أفهم مغزاها».
تماماً كنص اللوحة أيضاً يحتاج منا لدقة لا متناهية لكي نستوعب شيئاً مما يعنيه الفنان أثناء رسمه. فهو يرسم الربيع لكنه يصبغه بهالة من الصُفرة والغموض!.
إن الأسلوب لدى الكُتاب هو حالة مطلقة، لدي يجب أن تكون القراءة حالة مشابهة. إنه التناسق!.
ربما تبدو البدايات مفرغة، يصاب القارئ بالملل حينما يراجع النص الملخص على الغلاف أو بالمفتتح، أو يعاود فصلاً أو مقطعاً كاملاً، لكن النهايات تكون مختلفة تماماً. فهي التي توجز كل ما كان سيكتب أو يقال.