الرئيسية / الدراسة / حكايتان

حكايتان

محمود البوسيفي 

قال‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬إن‭ ‬مايجري‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬لايدعو‭ ‬للغضب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الحيرة،‭ ‬وسألني‭ ‬رأيي‭ .. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يذكرني‭ ‬بما‭ ‬رواه‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬صاحب‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬ألبرت‭ ‬اينشتاين‭ ‬‮«‬‭ ‬1879‭-‬1955‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬نجماً‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬نيويورك‭ ‬المخملي‭ ‬،‭ ‬‮«‬‭ ‬بعد‭ ‬لجوؤه‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬عقب‭ ‬صعود‭ ‬هتلر‭ ‬‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬نجوم‭ ‬السياسة‭ ‬والفن‭ ‬والأدب‭ ‬والرياضة‭ . ‬قال‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحفلات‭ ‬اقتربت‭ ‬منه‭ ‬سيدةعجوز‭ ‬وسألته‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬السيد‭ ‬اينشتاين‭ ‬مكتشف‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬؟‭ ‬قلت‭ ‬نعم‭ . ‬قالت‭ ‬وهي‭ ‬تبتسم‭ ‬هل‭ ‬يمكنك‭ ‬تلخيصها‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬دقائق‭ !! ‬قلت‭ ‬وأنا‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬مئات‭ ‬العلماء‭ ‬وعشرات‭ ‬الجامعات‭ ‬والمختبرات‭ ‬والمعامل‭ ‬والتجارب‭ .. ‬إن‭ ‬سؤالك‭ ‬ياسيدتي‭ ‬يذكرني‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬الألمان‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬النازية‭ ‬وجاء‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬مختبري‭ ‬كان‭ ‬لايجيد‭ ‬الانجليزية‭ ‬واتفق‭ ‬معي‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬بها‭ ‬طول‭ ‬الوقت‭ ‬لمساعدته‭  ‬في‭ ‬بناء‭ ‬قاموسه‭ ‬اللغوي‭.. ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬خرجنا‭ ‬معا‭ ‬بسيارتي‭  ‬في‭ ‬نزهة‭ ‬خلوية‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ . ‬ولسبب‭ ‬ماتعطلت‭ ‬السيارة‭ . ‬خرجنا‭ ‬منها‭ ‬نترقب‭ ‬من‭ ‬يقطرها‭ ‬أو‭ ‬يساعدنا‭ ‬في‭ ‬اصلاحها‭ .. ‬كنا‭ ‬نتمشى‭ ‬قربها‭ ‬عندما‭ ‬سألني‭ ‬،‭ ‬ماذا‭ ‬تتمنى‭ ‬الآن‭.. ‬قلت‭ ‬كوباً‭ ‬من‭ ‬الحليب‭ .. ‬قال‭ ‬عرفت‭ ‬كوباً‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬الحليب‭ .. ‬قلت‭ ‬الحليب‭ ‬سائل‭ ‬أبيض‭ .. ‬قال‭ ‬عرفت‭ ‬سائلاً‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬أبيضاً‭ .. ‬قلت‭ ‬الأبيض‭ ‬لون‭ ‬عنق‭ ‬النعام‭ .. ‬قال‭ ‬عرفت‭ ‬لون‭ ‬وعنق‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬النعام‭ .. ‬قلت‭ ‬النعام‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬الطيور‭ ‬لكنه‭ ‬لايطير،‭ ‬ضخم‭ ‬الجسم‭ ‬وله‭ ‬ساقين‭ ‬طويلين‭ ‬وعنق‭ ‬طويل‭ ‬معوج‭ .. ‬قال‭ ‬عرفت‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬معوج‭ .. ‬فأخذت‭ ‬ذراعي‭ ‬واثنيتها‭ ‬مقوسة‭ ‬وقلت‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ .. ‬قال‭ ‬نعم‭ ‬،‭ ‬عرفت‭ ‬الآن‭ ‬الحليب‭ .‬

اختفت‭ ‬ابتسامة‭ ‬السيدة‭ ‬العجوز‭ .. ‬وهزت‭ ‬رأسها‭ ‬للعالم‭ ‬صاحب‭ ‬النظرية‭ ‬وانسحبت‭ ‬مذعورة‭.‬

‮»«‬‭ ‬‮»«‬‭ ‬‮»«‬

احتفلت‭ ‬الأوساط‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬ايطاليا‭ ‬بظهور‭ ‬الروايات‭ ‬الأولى‭  ‬للروائي‭ ‬الشاب‭ ‬ألبيرتو‭ ‬مورافيا‭ ‬‮«‬‭ ‬1907‭-‬1990‮»‬‭ ‬واعتبرته‭ ‬اضافة‭ ‬مهمة‭ ‬للغة‭ ‬الايطالية‭ ‬وللأدب‭ ..‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفال‭ ‬غيرة‭ ‬وحنق‭ ‬الدوتشي‭  ‬بنيتو‭ ‬موسوليني‭ ‬‮«‬1883‭-‬1945‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وحده‭ ‬النجم‭ ‬الأوحد‭ ‬في‭ ‬ايطاليا‭ .. ‬طلب‭ ‬استدعاء‭ ‬الروائي‭ ‬لمقابلته‭ .. ‬وتعمد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬ذي‭ ‬الأعمدة‭ ‬العالية‭ ‬والسقف‭ ‬المرتفع‭ ‬وطلب‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬قرب‭ ‬المكتب‭ ‬خريطة‭ ‬كبيرة‭ ‬للعالم‭ ‬وتحتها‭ ‬صف‭ ‬من‭ ‬الأزرار‭ .. ‬كان‭ ‬واقفاً‭ ‬قرب‭ ‬الخريطة‭ ‬عندما‭ ‬استقبله‭ ‬وصافحه‭ ‬دون‭ ‬حرارة‭.. ‬وقال‭ ‬له‭ ‬تعرف‭ ‬ياسيد‭ ‬مورافيا‭ ‬لو‭ ‬ضغطت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزر‭ ‬تسيطر‭ ‬قواتي‭ ‬البحرية‭ ‬فوراً‭ ‬الادرياتي‭ .. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬ضغطت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزر‭ ‬تسيطر‭ ‬قواتي‭ ‬الجوية‭ ‬على‭ ‬سماء‭ ‬البلقان‭ .. ‬وهذا‭ ‬الزر‭ ‬تتحرك‭ ‬قواتي‭ ‬في‭ ‬اثيوبيا‭ ‬إذا‭ ‬ضغطت‭ ‬عليه‭ ‬لتعيد‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الافريقي‭ .. ‬وهذا‭ ‬الزر‭ ‬مخصص‭ ‬لقواتي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ .. ‬كان‭ ‬منتفخاً‭ ‬كبالون‭ ‬وهو‭ ‬يلوح‭ ‬بعصا‭ ‬طويلة‭ ‬عندما‭ ‬باغته‭ ‬الروائي‭ ‬الشاب‭ .. ‬سيدي‭ ‬الدوتشي‭ : ‬ألا‭ ‬يوجد‭ ‬زر‭ ‬تضغط‭ ‬عليه‭ ‬يأتوننا‭ ‬بكوبين‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ .‬

شاهد أيضاً

الزائرة الأخيرة

عن‭ ‬القصـــة‭:‬ ‘‘بيت‭ ‬الأشباح’’،‭ ‬قصة‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬برّ‭ ‬الوالدين‭ ‬وتجنب‭ ‬الطمع‭. ‬مكتوبة‭ ‬بأسلوب‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *