‘‘الصقر ما ينزل منازل بومة.. ينزل منازل عالية مقيومة’’..
2023-11-19
الرئيسية, محليات
566 زيارة
بيت قصيد معبر، كثيراً ما سمعته يتردد على ألسنة بعض الناس، ولقد سألت مردديه عن قصته فتعددت الروايات حوله، لكن شخصاً حكي لي قصة تبدو معبرة، مفادها أن صياداً يخرج مع فجر كل يومٍ لأجل الصيد الذي يعد مصدراً مهماً ووحيدا بالنسبة له لتأمين قوت أهله، رغم ندرة الدواب والطيور التي سببها القحط والجفاف حينها.
كان الرجل كلما اقتنص طريدة يأتي الصقر المحلق في الأجواء ويخطفها من أمامه، يطير بها بعيداً عند قمة جبل. لكن الصياد لم يعر هذا الأمر اهتماما، ظناً منه أنه لن يتكرر في تالي الأيام، وظل كل مساء يجهّز بندقيته ومعدات صيده، وعند الفجر يغادر سعياً وراء طريدة جديدة، لكن الصقر ظل يحرمه مما يقوم باصطياده!.
صار الرجل يرجع لأهله بلا قوت، فعزم على قتل الصقر والخلاص منه ليضمن أن لا يَسرِق منه رزقه مرة أخرى، بل وتمادى في ما سوف يفعله بأنه لابد من قتل أفراخ هذا الطير أيضاً كي يضمن عدم قيامهم -عندما يكبرون- بفعل ما كانت تقوم به أمهم.
في تالي الأيام.. وبعد أن خطف الطير منه صيداً جديداً، تعقبه الصياد إلى الجبل ليدرك مكان عشّه ويقتل أفراخه، وبينما هو يصعد مقترباً من العش تناهى لسمعه نعيق أفراخ، فأدرك أنه قارب على الوصول، لقد وجد العش، فبهت للأمر العجيب الذي رأت عيناه.
لم يكن عش الصقر ولم يكن به أفراخ من نوعه، كان عش بومة لديها صغار يقوم بتأمين الطعام لهم!.
لم يفهم لما يقوم صقر بإطعام طيور تختلف عنه في النوع!، لكنه ظل يراقب الأمر، وانتظر حتى يحلق الصقر بعيداً، اقترب ليكتشف أن البومة فاقدة للبصر، وأنها غير قادرة على مغادرة عشها لتأمين طعامها وطعام صغارها!.
قال الرجل في نفسه وهو مندهش:
– (ما دامه ربي يبعت في الرزق لخلقه لحد عندهم، علاش نتعب في روّحي، ونقعد نطارد فصيدي، وفي الأخير يسرقه صقر مني ويطير ).
عاد الصياد إلى بيته، وقرّر ألا يخرج للصيد بعد اليوم، يوم أن رأى كيف يرسل الله الرزق لمخلوقاته دون أدنى جهد وعناء، ونفسه تؤكد له بأن رزقه سوف يصل إليه دون أن يتكبد مشقة السعي وراءه.
نفذ ما لدى بيته من مؤونة، وارتفع نحيب أطفاله يبكون ألم الجوع، حتى انتبه الجيران لصراخهم غير المعهود وقد كانوا قبلها انتبهوا لغيابه، فجاء فريقٌ من الرجال لبيته مستفسرين لم يجد ما يضيفهم به، ولما عرفوا بقصته مع البومة العمياء وكيف سخر الله لها الصقر يأتيها برزقها وصغارها إلى عشها، ودون أن تغادره، نطقوا له بالحكمة:
– ‘‘يا لعجب.. رضيت تكون زي البومة، ومارضيتش تكون زي الصقر..!’’.
هي ليست القصة نفسها التي كتب فيها البيت المذكور؛ لكنهما يكادان يتطابقا ويؤديا نفس الغاية.