وأنت تنطلق من تونس العاصمة ،عليك أن تعبر 550 كلم باتجاه الجنوب لتصل الى دوز ، بوابة الصحراء وعروس الواحات ،ومدينة الشعراء ، وموطن المرازيق والقبائل لعربية الأخرى التي استوطنت تلك المنطقة , وإحدى حواضر نفزاوة التي اختلطت فيها دماء العرب بالأمازيغ عبر تاريخ طويل ، وفي منطقة جغرافية تصل بين شط الجريد وطرابلس الغرب ..
تقع مدينة دوز في ولاية قبلي في الجانب الجنوبي من الأراضي التونسية،، وتمتاز بمناخها الصحراوي الحار والجاف، ووصل تعدادها السكاني تبعاً لإحصائيات عام 2014 للميلاد حوالي 47.182 فرداً، وتحتوي دوز على واحة كبيرة كما يتبعها عدد من القرى، وهي معروفة لدى زوارها بطيبة وكرم أهلها المجبولين على حب الصحراء والإبل والنخيل ، والمعروفين بفصاحة اللسان وصلابة الجنان ..
في دوز الجميلة ، يقابلك شموخ النخيل كشموخ هامات السكان المحليين ، وتسمع من وراء الآفاق عزف الناي وقصائد الشعر الشعبي المتوهجة بروح المكان مع صهيل الخيل العابرة
للمسافات ورغاء الإبل ، ويفاجئك جمال الغروب من وراء كثبان الرمال الذهبية الحاملة لبصمات إرث تاريخ عريق من الصبر والنضال والتحدي وقوة الاحتمال والتعلق بإرادة الحياة
، وهناك ستجد في انتظارك المهرجان الدولي للصحراء الذي ينتظم أواخر شهر ديسمبر من كل عام ، عندما تكون الصحراء في أيام اعتدال طقسها نهارا ، بعد أن يكون المزارعون قد
دقلة « جمعوا محصول تمورهم المعروفة باسم وعندما تكون المؤسسات التعليمية في ، » النور كامل البلاد قد دخلت إجازة فصل الشتاء ، بينما يستعد السواح الأجانب لقضاء ليلة رأس العام
الميلادي في فنادق الجنوب العامرة من جنسيات عربية وأجنبية ، يتدافع عشرات الآلاف من عشاق الطبيعة والباحثين عن مكامن أسرارها والراغبين في الاكتشاف والاحتفاء بالتراث ،
لزيارة دوز ، ولحضور فعاليات مهرجانها الذي يستقطب مبعوثي المئات من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية ، والذي تتنوع فعالياته بين الشعر والغناء والمسرح والندوات الفكرية
ومنوعات الأطفال وعروض الفروسية والألعاب الشعبية التقليدية والصيد بالسلوقي يعود تاريخ المهرجان الدولي للصحراء بدوز الى أواخر القرن التاسع عشر ، وبرز كتظاهرة
رسمية في العام 1910 عندما كانت البلاد تحت الاحتلال الفرنسي ، حيث كان يحمل اسم عيد الجمل تقديرا لسفينة الصحراء التي تمثل جانبا أساسيا من الصورة المتكاملة للمنطقة،
وكان الهدف من المهرجان اختيار أجمل الخيول والجمال في مسابقة استعراضية كانت تحظى باهتمام كبير ، وكذلك التجارة في الإبل من خلال إجتماع البدو الرحل والتجار العابرين وسكان
نفزاوة ..ومنذ العام 1967 أخذ المهرجان طابعا شموليا، حيث بات متعدد المضامين والاهتمامات ، مع اهتمام خاص بالموروث الشعبي للسكان المحليين ، وللمسابقات الرياضية والعكاظيات الشعرية التي يجتمع فيها فحول الشعر الشعبي للتنافس في ما بينهم حول مواضيع يتم عرضها عليهم مسبقا ، ثم يتم توزيع جوائز تقديرية على الفائزين ..
وتعرف دوز بأنها مدينة الشعراء حتى أنها سميت بمدينة الخمسة آلاف شاعر من جميع الأجيال ، فالشعر هناك يقال بالسليقة وهو جانب مهم من الفطرة البدوية ومن خصوصيات السكان ، ومن أبرز الشعراء الشعبيين الذي أنجبتهم دوز محمد البرغوثي وسالم البرغوثي ومحمد الطويل وبلقاسم بن عبد اللطيف وعلي الأسود المرزوقي والبشير بن عبد العظيم ومحمد الوحيشي والباحث في
الأدب الشعبي والشاعر محمد المرزوقي وشعراء الفصحى كالمهدي بن نصيب وجمال الصليعي وغيرهما كثير ممن سجلوا أسماءهم في ذاكرة الأرض والمجتمع .
ويتجمع سنويا بساحة حنيش التي تتجاوز مساحتها 15 فدانا نحو 100 ألف متفرج من عدد من الجنسيات للاستمتاع بمشاهد مميزة تجمع بين التقاليد والحداثة ، وتعطي للزوار
صورة عن عادات وتقاليد سكان الصحراء ، الى جانب العروض العربية والأجنبية المتنوعة التي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي تعطي للمهرجان صفته الدولية. ..
ويشهد المهرجان في كل عام عرضا خاصا مستقى من الموروث يتحدث عن الفروسية والإبل وسيرة بني هلال وعن قصص النضال والتعلق بالأرض وعن سير الأبطال وملاحم التضحية في سبيل الأرض
والعرض ، ويمتزج في تلك العروض الاستعراضية الغناء بالموسيقى ورقص الفتيات بشعرهن المتدلي في مشهد راق بينما يمتطي الفرسان صهوات الخيول ، وتتمايل الهوادج من على ظهور الإبل في تشكيل للعرس التقليدي ،كما ترتفع أصوات النساء بالزغاريد وهن يرتدين ملابسهن التقليدية المزدانة بألوان الحياء والحياة .. وعرفت ساحة المهرجان خلال دوراتها المتلاحقة حفلات فنية كبرى شارك فيها فنانون من تونس وليبيا والجزائر والمغرب ومصر والمغرب ودول أخرى ، وفرقفنية تحمل شواهد من تراث قبائلها وبلدانها ،وكان من أبرز نجوم تلك الحفلات الفنان الليبيالراحل محمد حسن والفنان التونسي لطفي بوشناق والفنان الجزائري عبد الله المناعي وغيرهم ..ومن أهم مميزات المهرجان عروض ومسابقات المهاري التي تسمى في دول الخليج العربي بالهجن ، وهي نوع من الإبل يمتاز بالقوة والسرعة ، وتوحد فصائل متميزة منه في شمال إفريقيا ودول الصحراء الكبرى ..
وتعتبر المهرية من أشهر سلالات الإبل وجمعها مَهارِيُّ ومَهارٍ ومَهارَى, وتُعد من خير مزايين الإبل ، أما اسمها فيعود إلى قبيلة مَهْرةَ بن حَيْدانَ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة باليمن حيث تشكل بلاد المهرة اليوم إحدى محافظات الجمهورية اليمنية ،وتبعد عن العاصمة صنعاء مسافة 1318 كم , يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الغرب حضرموت ومن الجنوب
الخليج العربي ومن الشرق سلطنة عمان,. وحول قوة الإبل المهرية وصفاتها تزعم العرب أن فحولاً من الإبل المتوحشة أَو الحوشية إِبل الجنّ ضربت في إبل لمهرة بن حيْدان فنُتجَت النجائب المَهْريَّة التي لا يكادُ يُدركها التَّعب وهي تسبق الخيل وزاد بعضهم في صفاتها فقال لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها وعدوها من كرام الإبل ، ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت .