( مواجعُهُنَّ )
محبوبــــــــة خليفــة
على مرّ التاريخ الإنساني المدوَّن، كانت هناك حكاياتٌ مريرة عن جانبٍ من هذا التاريخ، المخفيِّ أحيانًا والمُعلَن في أحايين أخرى.
حكاياتٌ بطلاتُها أو ضحاياها نساء
كلمة السَّبي شرحُها واضحٌ ومُخزٍ، وقد ارتبطت بالمعارك التي جرت قديمًا وحديثًا أيضًا، وإنْ تغيّرت اللغة أو المصطلح.
كلُّ الهجرات التي تَلَت الحروبَ أو المجاعاتِ أو الكوارثَ الطبيعية، كانت النساءُ من يدفعن فيها الثمن مضاعفًا.
حتى نشاطاتُ البشر في سبيل العيش ومتطلباته دفعت فيها النساءُ – وهنّ الجانب الأضعف – الثمنَ من أجسادهنّ وأرواحهنّ، وتكررت اللفظة التي تثير الاشمئزاز ولا تُحاكي الحقيقة، فوُصِفت بأقدم مهنةٍ في التاريخ، من غير أن يُحيط الناسُ بالظروف المرعبة التي عانتها تلك المُجبَرات على ممارستها وهذه مظلمَةً أخرى تضاف إلى مظالم كثيرة عانين تبعاتها .
نعم، لقد أحاط الظلامُ والظلمُ بهنّ، وتمت إهانتهنّ ورَميُهنّ على جانب الطريق، طريقِ الإنسان وهو يمضي قُدُمًا ليصنع الحياة ويُغيّر مفاهيمها، وينصِف المتعبين فيها، ويُقلِّل من أثر المتْعبات أو فَضلِهنّ.
كلُّ هذه الأفكار دارت في ذهني وأوجعت ضميري وأنا أضع أمام القارئ هذه الحكايةَ البائسة عن فتياتِ غرينلاند من شعب (الإِنُويت) – سكان الجزيرة الأصليين – بعد انضمامهم إلى الدانمارك.
كان مستوى المعيشة في ذلك البلد ممتازًا بل وعاليًا جدًا، ترعاه قوانينُ تلك الدولة ويحميه دستورُها.
غير أنّ حكومةَ الدانمارك لاحظت ازديادًا في معدلات الولادات بين تلك الفئة (الإِنُويت) – وهم سكان جزيرة غرينلاند التابعة رسميًّا للدانمارك – ممّا يعني تجاوزَ الحدّ المسموح لهم بالانتفاع بهذه المزايا، فقررت الحكومةُ إجراءَ تعقيمٍ غير مباشرٍ للفتيات بتركيب جهاز اللولب بعد بلوغهنّ مباشرةً، ودون علمهنّ أو علم أسرهنّ.
وهكذا كانت الجريمة:
فقد جرت في الدانمارك عملية مريعة استهدفت تلك الصبايا على مدار السنوات الممتدة من عام 1966 إلى عام 1975، حيث بدأت الشكاوي من أعراض المرض والالتهابات تُصيب البنات، وبعضهنّ لاحظن أنّ أجسادهنّ غير طبيعية، وبعضهنّ تخلّصن من جهازٍ لا يعرفن سبباً لتواجده فيهن وكان جزءً منه ظاهرًا نتيجة مرور سنواتٍ طويلة على تركيبه، لدرجة أنّ بعضهنّ تخلّصن منه أثناء الاستحمام، لكن للأسف بعد فوات الأوان، إذ أحدثت تلك الأجهزة ضررًا جسيمًا بأرحامهنّ.
بعد أن تحدّثت النساء وقد كَبِرن ودخلن سنًّا لا يُجدي معها إصلاحُ ما عانَيْنَه وجرى عليهنّ، دوَّت الفضيحة، واعتذرت رئيسةُ الوزراء عمّا ارتكبته الحكوماتُ السابقة، ولكن بعد فوات الأوان.
وحتى هذه اللحظة، وأنا أتابع الأخبار وجرائم المستعمرين قديمًا وحديثًا في كلّ أنحاء الأرض، لا أندهش من تمادي دولةٍ كالكيان الصهيوني في اعتداءاته ومحاولاته إبادةَ شعبٍ عظيمٍ وصاحبِ أرضٍ وتاريخ.
فشواهدُ التاريخ قديمُه وحديثُه تُفسّر صَلَف هذا الكيان وعدمَ اهتمامه بغضبة الشعوب في أنحاء العالم عمّا يجري في غزّة كمثال، فالدولُ الكبرى التي تدعمه لها تاريخٌ حافلٌ ومماثلٌ في الغزو والقتل والتشريد، وليس آخرَها هذه الفضيحةُ التي كانت تُمارَس في الخفاء، وكان الغرضُ منها إبادةَ شعبٍ بالكامل عن طريق تعقيم نسائه.
Share this content: