×

مــن هــو الصحفــي؟

عبد الرزاق الداهش

مــن هــو الصحفــي؟

:عبدالرزاق‭ ‬الداهش

هل‭ ‬صارت‭ ‬الصحافة‭ ‬مهنة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬مهنة‭ ‬له‭.. ‬أم‭ ‬ما‭ ‬زالت؟‭ ‬

واقعةُ‭ ‬حادثِ‭ ‬سيرٍ‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬عام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬حقيقة‭ ‬مهمة‭.‬

‭ ‬فالطبيب‭ ‬سيتجه‭ ‬بتفكيره‭ ‬نحو‭ ‬الإصابات‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الإسعافات،‭ ‬ورجل‭ ‬المرور‭ ‬سيبحث‭ ‬عن‭ ‬الخطأ‭ ‬البشري‭ ‬وعن‭ ‬المتسبب،‭ ‬والمحامي‭ ‬سيرى‭ ‬في‭ ‬الحادث‭ ‬مشروع‭ ‬موكّلٍ،‭ ‬ودفاعًا،‭ ‬وتعويضات‭. ‬

أمّا‭ ‬الصحفي‭ ‬فهو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الحادث‭ ‬بوصفه‭ ‬مشروع‭ ‬خبر‭.‬

والسؤال‭: ‬هل‭ ‬ظلّ‭ ‬الصحفي‭ ‬وحده‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الخبر؟‭ ‬

قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬صاحبُ‭ ‬معمل‭ ‬خياطة‭ ‬يُدعى‭ ‬أبراهام‭ ‬زابرودر،‭ ‬يهوى‭ ‬التصوير‭. ‬

اختار‭ ‬الرجل‭ ‬زاويةً‭ ‬مناسبة‭ ‬لالتقاط‭ ‬صور‭ ‬لموكب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دالاس‭. ‬

لكن‭ ‬زابرودر‭ ‬لم‭ ‬يُصوّر‭ ‬الموكب،‭ ‬بل‭ ‬وثّق‭ ‬لحظة‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس،‭ ‬ليصبح‭ ‬مؤرّخًا‭ ‬لإحدى‭ ‬أهم‭ ‬لحظات‭ ‬التاريخ‭.‬

‭ ‬فهل‭ ‬دشّن‭ ‬صاحبُ‭ ‬معمل‭ ‬الخياطة‭ ‬عصرَ‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬قرن؟

لا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬قانوني‭ ‬لـ‭ “‬من‭ ‬هو‭ ‬الصحفي‭”. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬علّق‭ ‬المشرّع‭ ‬تعريف‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬رقبة‭ ‬نقابات‭ ‬الصحفيين‭. ‬

فهل‭ ‬الصحفي‭ ‬هو‭: “‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬والتحقق‭ ‬منها‭ ‬ومعالجتها‭ ‬ونشرها‭” -‬على‭ ‬رأي‭ ‬اليونسكو‭-‬؟

الاعتراف‭ ‬بالصحفي‭ ‬كصاحب‭ ‬مهنة‭ -‬وليس‭ ‬صاحب‭ ‬نميمة‭ – ‬استغرق‭ ‬عقودًا‭. ‬

كانت‭ ‬جريدة‭ “‬لا‭ ‬كازيت‭” ‬هي‭ ‬الأولى،‭ ‬وصدرت‭ ‬عام‭ ‬1631،‭ ‬وكانت‭ ‬تجمع‭ ‬أخبارها‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬قبب‭ ‬المحاكم‭. ‬

والسؤال‭ ‬تبعًا‭ ‬لذلك‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬الصحافة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬كمهنة،‭ ‬ولو‭ ‬ظلّت‭ ‬قائمة‭ ‬كدور؟

اليوم،‭ ‬لو‭ ‬وقعت‭ ‬حادثة‭ ‬سير،‭ ‬تصبح‭ ‬مشروع‭ ‬خبر‭ ‬للجميع‭.‬

‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يمكنه‭ ‬التقاط‭ ‬الصور‭ ‬ونشر‭ ‬الخبر‭. ‬

فهل‭ ‬سنستدعي‭ ‬مجددًا‭ ‬التعبير‭ ‬القديم‭: “‬مهنة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬مهنة‭ ‬له‭”‬؟

‭”‬ذا‭ ‬مارجيناليان‭” ‬منصة‭ ‬تحظى‭ ‬بمتابعة‭ ‬ملايين‭ ‬القرّاء،‭ ‬وتقدّم‭ ‬محتوى‭ ‬مستندًا‭ ‬غالبًا‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬مفتوحة‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬المنصة‭ ‬جيشٌ‭ ‬من‭ ‬الصحفيين، تديرها‭ ‬ناشطة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭-‬هي‭ ‬ماريا‭ ‬بوبوفا‭ – ‬المحرّرة،‭ ‬ورئيسة‭ ‬التحرير،‭ ‬وحارسة‭ ‬البوابة‭.‬

قد‭ ‬نحاول‭ ‬رسم‭ ‬فاصل‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صحفي،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬ناشط،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يلتزم‭ ‬بقواعد‭ ‬السلوك‭ ‬مهنيًا‭ ‬وأخلاقيًا‭.. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬صادمة‭. .‬فالصحفية‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬سويلي‭ ‬لورو،‭ ‬قالت‭: “‬إن‭ ‬أي‭ ‬صحفي‭ ‬جيّد‭ ‬هو‭ ‬ناشط‭ ‬لأجل‭ ‬الحقيقة‭.” ‬

والعكس‭ ‬أيضًا‭ ‬صحيح‭: ‬فكل‭ ‬ناشط‭ ‬جيّد‭ ‬هو‭ ‬صحفي‭ ‬لأجل‭ ‬الحقيقة‭.‬

وتظل‭ ‬مسألة‭ ‬كراسة‭ ‬الشروط‭ ‬المهنية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬مسألة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭. ‬

نحن‭ ‬فقط‭ ‬نعيش‭ ‬فوضى‭ ‬البدايات‭.‬

Share this content: