مدينة تعيش
مدينة تعيش على أنفاس مياهها الجوفية
منذ عقود كانت تلك المياه العذبة تسري تحت أقدام سكانها، تمنحهم الحياة وتروي عطشهم، حيث تعتمد المنطقة بشكل كامل على المياه الجوفية لكن، شيئاً فشيئاً، بدأت هذه النعمة تتلاشى، و الزمن تغير، و تحولت المياه إلى كنز مالح يصعب الوصول إليه، فالحفر العشوائي والتوسع الزراعي غير المنظم، جعلا من المياه العذبة حلماً بعيد المنال ، اليوم، تواجه سبها معضلة وجودية، حيث إن نوعية المياه المتدهورة تهدد سكانها، وبينما تزداد الأزمة، تتجه أنظار أهل المدينة نحو أمل في حقل مائي جديد يمكن أن يضمن لهم الاستمرار . هذا التقرير يستعرض تفاصيل هذه الأزمة، ويقدم حلولاً قابلة للتنفيذ لمواجهة التحديات المتزايدة و استعادة نقاء المياه.
الليبية : عزيزة محمد / زهرة موسى
أغلب الآبار بسبها عالية الملوحة ومعدل الهبوط السنوي لمنسوب الماء الثابت يتجاوز المتر !!
في حديث مع المواطن عبدالله البصير من مدينة سبها، أشار إلى وجود إهمال كبير في توعية المواطنين حول أهمية المياه وترشيد استهلاكها، وأكد أن المياه ليست فقط مصدرًا للحياة، بل مادة استراتيجية قد تكون سبباً في اندلاع حروب للاستحواذ عليها في المستقبل، وأوضح مجموعة من المشكلات التي تزيد من تفاقم الأزمة، منها: ( غياب برامج التوعية: تقاعس جهات الاختصاص عن تقديم حملات إعلامية توعوية ، التعليم: عدم إدراج موضوع الحفاظ على المياه ضمن المناهج الدراسية ،دور المساجد: غياب أئمة وخطباء المساجد عن دورهم في توعية المصلين ، القوانين الرادعة: نقص التشريعات التي تردع المستهترين باستخدام المياه ، الممارسات الزراعية: ضعف الإرشاد الزراعي في توجيه المزارعين نحو الري الرشيد ، البنية التحتية: تردي حالة الآبار وشبكات نقل المياه التي تعاني من التسرب والهدر(

جمال ابريدح
مختبر المياه غير مشغل والعمر الافتراضي للمضخات انتهى ..!
حلول مقترحة
قدم البصير عدة مقترحات لمعالجة الأزمة، من بينها: « تفعيل دور مصلحة المياه في صيانة الآبار وشبكات النقل ، فرض رسوم استهلاك المياه لتشجيع المواطنين على تقنين استخدامها ، تنظيم حملات توعوية بالتعاون مع مختلف الجهات ، توعية المزارعين بطرق الري الحديثة.
إن مشكلة ندرة المياه في الجنوب الليبي ليست مسؤولية جهة بعينها، بل هي مسؤولية جماعية، الحل يبدأ من التوعية والتعليم مروراً بتطوير البنية التحتية وانتهاءً بتطبيق القوانين.

صرحت المذيعة نجوى الزوي قائلة: «نضطر أحياناً للاستعانة بخزان مياه خارجي للتعبئة بتكلفة مالية معينة، المياه الجوفية التي تأتي من خلال الصنبور غير صالحة للشرب والطهي، مما يضطرنا إلى شراء مياه معبأة.»
وأكدت الزوي على ضرورة تعزيز الوعي بقيمة المياه وأهمية الحفاظ عليها، مشيرة إلى أن التوعية يجب أن تشمل خطوات عملية مثل غلق صنابير المياه بعد الاستخدام والاعتماد على أنظمة الري الحديثة
.
منية بن أحمد علقت قائلة: «الأزمة أثرت بشكل مباشر، خاصة مع استغلال أصحاب صهاريج المياه وارتفاع تكلفة تعبئتها.»
الحلول الممكنة
تدعو منية بن أحمد إلى : «التركيز على نشر الوعي في المدارس، المساجد و الجامعات و المعاهد و أيضا الاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة. «مؤكدة على أن الجهود متواضعة وتقتصر على مناسبات مثل اليوم العالمي للمياه فالمجتمع بشكل عام غير مهتم بترشيد استهلاك المياه.»

بينما أشارت ريماس القسام إلى أن:
«النقص يزداد في فصل الصيف، مما يؤدي إلى مشاكل صحية محتملة للأسرة ،فهناك فئة تساهم في الحفاظ على المياه وأخرى تستهلك بشكل مفرط ، لهذا الجهود الموجودة غير كافية، وتحتاج إلى برامج وورش عمل مكثفة مشيرة إلى عدة نقاط مهمة يجب التركيز عليها : التوعية بترشيد استهلاك المياه ، الاستفادة القصوى من مياه الأمطار والسيول، حماية الموارد المائية من التلوث ، تشريعات صارمة لتنظيم الاستهلاك ، وضع خطط متكاملة لإدارة الموارد المائية.
تنوه إلى بعض توصيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار : ((إبراز استغلال حاجة المواطنين للمياه، نشر قصص شخصية لتوضيح معاناة المواطنين ، و التركيز على الأمثلة الدولية))
سيناريو قاتم يهدد مدن الجنوب
وفق ما أفاد به الصحفي وليد بكاكو :يعاني الجنوب الليبي، وخاصة مدينة سبها، من أزمة متفاقمة في نقص المياه الجوفية، التي تمثل المصدر الأساسي لمياه الشرب في المنطقة. هذه الأزمة أثرت بشكل كبير على حياة السكان، مما دفع الكثيرين لاعتماد أساليب غير علمية للحصول على المياه، مثل تشغيل المضخات من الشبكة الرئيسية.

بعض الناس يبتكرون أساليب في الحصول على المياه بتشغيل المضخات من الشبكة الرئيسية!
تأثير مباشر على الحياة اليومية
محمد الهادي أبوزيد يشارك تجربته قائلاً: «منذ عام 2011 وحتى الآن، تفاقمت مشكلة المياه الجوفية بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم تشغيل الآبار بانتظام. هذا أدى إلى زيادة ملوحتها وشحها، مما أثر بشكل مباشر على حياتنا. كانت المياه الجوفية تُستخدم لزراعة محاصيل تشكل مصدر دخل كبير للأسرة، لكن اليوم الوضع تغير تماماً.»
ضعف الوعي بأهمية المياه الجوفية
بالرغم من الأهمية الحياتية للمياه الجوفية في المناطق الصحراوية كجنوب ليبيا، إلا أن مستوى الوعي العام بضرورة ترشيد استهلاكها يبدو ضعيفاً. يقول محمد الهادي:
«المياه الجوفية في منطقتنا الصحراوية تمثل الحياة بحد ذاتها، لكن قلة الوعي بأهمية هذه النعمة يجعل الناس يسرفون في استهلاكها دون اتخاذ أي إجراءات للحفاظ عليها.»
ويدعم الصحفي وليد بكاكو هذا الرأي: «لا يوجد أي ممارسة لترشيد استهلاك المياه، بل العكس، هناك إسراف كبير في استخدامها.»
غياب دور الجهات المعنية
انتقد المشاركون في التقرير دور الجهات المسؤولة، مشيرين إلى غياب برامج التوعية والممارسات التي يمكن أن تساهم في الحفاظ على الموارد المائية.
يقول محمد الهادي: «لا توجد جهود كافية من الجهات المعنية لتوعية الناس بالمشكلة، يجب تنظيم ندوات توعوية ودروس مستمرة في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى وضع سياسات صارمة تمنع الإسراف.»
الحلول الممكنة
تتعدد الحلول المقترحة للتعامل مع هذه الأزمة، بدءاً من تكثيف حملات التوعية الإعلامية والتعليمية حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، وصولاً إلى تبني ممارسات تقنية لتقليل الهدر. يشير محمد الهادي إلى بعض الحلول التي يمكن أن يبدأ بها المواطنون بأنفسهم: «يجب استخدام ‹العوامة› لخزانات المياه لتجنب الهدر، والحد من ري الأراضي بشكل عشوائي، وصيانة شبكات المياه لضمان كفاءتها.»
تصريحات إضافية من أعضاء الفريق البحثي
نافع حسن ميدون أبو بكر « عضو هيئة التدريس في جامعة سبها، قسم الجغرافيا، يوضح: «وضعنا عنواناً لدراستنا: التغيرات المناخية، المخاطر واستراتيجيات المواجهة. تكون فريق الدراسة من تسعة أعضاء هيئة تدريس بتخصصات مختلفة، وكان الهدف الرئيسي للدراسة تقييم الأضرار التي تعرضت لها المدينة عقب سقوط الأمطار.»
ناجم، أستاذ مساعد بالمركز الليبي لأبحاث الصحراء وتنمية المجتمعات الصحراوية، يضيف: «شاركنا في الندوة التي تطرقت إلى عدة جوانب، منها البيئي، المناخي، الاجتماعي، والنفسي. تساقط كميات الأمطار الغزيرة يوم 14 سبتمبر 2024 كان له تأثير واضح على المدينة، ما دفعنا لدراسة هذه الظاهرة من جميع الجوانب.»
تختتم سكينة حسن العناني، عضو الجمعية الجغرافية، تصريحاتها قائلة: «إن الجمعية الجغرافية رأت أهمية إجراء دراسات مستفيضة لهذا الموضوع لما سببته الأمطار الغزيرة من كوارث وأضرار على البنية التحتية والزراعة والتربية الحيوانية.»
نجوى الزوي

مياه الصنبور غير صالحة للشراب والطهو مما يضطرنا إلى شراء مياه معبأة !
رأي مختص
و أجرى الجيولوجي جمال حسين ابريدح « دراسة في العام 2023 حول المياه بالجنوب « يؤكد فيها على أن المنطقة الجنوبية تعاني من عدة مشاكل للمياه الشرب وهي ( عدم إجراء تحاليل دورية لمياه الشرب لمعرفة نوعية المياه ومدى صلاحيتها للشرب وذلك لعدم تشغيل مختبر المياه الموجود في المدينة، إضافة إلى انخفاض منسوب الماء الثابت إلى 1.03 متر في السنة نتيجة للتوسع الزراعي والهدر الكبير للمياه والحفر دون اشراف أو متابعة لدى الموطنين والجهات العامة، و أيضاً عدم صلاحية جزء كبير من شبكات المياه الرئيسية والفرعية وكذلك عدم تشغيل محطات المياه لانتهاء العمر الافتراضي لهذه المحطات وعدم إجراء أي صيانة لها خلال الفترة السابقة ، تدهور نوعية مياه الشرب وذلك لزيادة الملوحة نتيجة لتسرب المياه المالحة من البحيرات القديمة إلى المياه الجوفية لأن منطقة سبها تقع على حافة حوض مرزق.
مضيفاً إلى أن الخصائص الكيميائية بالنسبة للآبار المطابقة للمواصفات والمستغلة حالياً داخل مدينة سبها أغلبها يوجد بها نسبة ملوحة عالية. أما سبب ملوحة هذه الآبار فيرجع إلى أن الآبار المحفورة تقريباً من سنة 1970 إلى 1990 فهي تستغل خزانات المجموعة الأولى وهي توجد على عمق من 60 إلى 120 متراً وكانت مياه هذه الخزانات عذبة وحالياً تعتبر هذه الخزانات غير جيدة من ناحية نوعية المياه في الأجزاء الشمالية والوسطى من مدينة سبها حيث يصل المجموع الكلي للأملاح الذائبة إلى 3800 ملجم/ لتر بينما تصل إلى 2500 ملجم/ لتر في الأجزاء الجنوبية .
و « أما خزانات المجموعة الثانية فإن المجموع الكلي للأملاح الذائبة يصل إلى 500 ملجم/ لتر في الأجزاء الجنوبية والشرقية وإلى 2000 ملجم/ لتر في الأجزاء الشمالية والوسطى لمدينة سبها
. 
يؤكد « ابريدح على أنه « تعتمد منطقة سبها اعتماداً كلياً على المياه الجوفية في الاستعمالات المختلفة مما جعل معدل الهبوط السنوي لمنسوب الماء الثابت يصل إلى 1.03 متر تقريباً وهذا يعتبر عال جداً لأن المياه الجوفية قديمة دفينة وغير متجددة، بالإضافة إلى أن موقع مدينة سبها في الطرف الشمالي من حوض مرزق يترتب عليه محدودية إمكانات هذه الخزانات المائية فسمكها ضئيل جداً مما تسبب في تسرب المياه المالحة من خزانات المجموعة الأولى إلى خزانات المجموعة الثانية وجعل المياه الجوفية بالمنطقة الشمالية للمدينة مالحة وغير صالحة للاستعمال.
وعليه فإن حفر أي آبار عشوائية في شمال ووسط المدينة لا يؤدي إلى حل المشكلة لأن مدينة سبها لا تعاني من نقص المياه ولكن تعاني من نوعية وجودة المياه.
و ينهي «ابريدح تصريحه ببعض التوصيات المهمة :
1/ ضرورة إعادة تفعيل دور مختبر المياه بتوفير العناصر الفنية واستيراد الأجهزة والمواد اللازمة للمختبر وذلك لإجراء التحاليل الدورية للمحافظة على نوعية المياه.
/2ضرورة إحياء محطات الضخ والخزانات وكذلك ضرورة التنسيق مع جهات الاختصاص لمعالجة محطة التنقية الموجودة بمحطة حجارة ومعالجة بحيرات الصرف الصحي التي تلوث المياه الجوفية ونرى ضرورة نقل هذه المياه إلى المناطق البعيدة عن المدينة بعد إجراء الدارسات لمعرفة الموقع المناسب،
3/ الحل السريع لمدينة سبها هو نقل المياه من جنوب المدينة ( منطقة حجارة الجديدة ) بجوار خزان شركة جنكيز (( و إن هذا الموقع هو من أفضل الحلول لمدينة سبها وذلك بإنشاءحقل مائي بعدد 60 بئراً أو أكثر ؛ وذلك لحل المشكلة المتفاقمة مع مرور الزمن.
حيث إن المنطقة المشار إليها أعلاه تقع ضمن المخطط العام للمدينة وكذلك يمكن حفر هذه الآبار بحيث لا تقل المسافة بين كل بئر وآخر عن 500م تقريباً كما أن مشروع جهاز النخيل ومشروع الأبقار وهي شرق و جنوب الموقع المقترح بمسافة 1كم يوجد بها عدد من الآبار تم تنفيذها في السابق على أعماق من 150متراً إلى 170متراً تحت سطح الأرض وكانت الإنتاجية تتراوح من 80 إلي 100 متر مكعب في الساعة ومنسوب الماء الساكن حوالي 54 متراً والمتحرك 64 متراً ومجموع الأملاح الذائبة حوالي 400 مليجرام /لتر و إن العمر الافتراضي المتوقع لهذا الحقل المائي قد يصل إلى أكثر من 20 سنة وذلك لأن عمق التغليف سوف يكون حوالي 110 متر ومعدل الهبوط حوالي متراً في السنة.
4/ إن كافة الدراسات والتقارير أشارت إلى أن الحل الأمثل و المستدام لمدينة سبها هو نقل المياه من جنوب المدينة (منطقة وديان (غدوة و إن هذا الموقع هو من أفضل الحلول لمدينة سبها وذلك بإنشاء حقل مائي بعدد 40 بئر أو أكثر مع ضرورة حفر 10 آبار إضافية لتغطية العجز في تعطل عدد من آلابار ؛ وذلك لحل المشكلة المتفاقمة مع مرور الزمن حيث إن المنطقة المشار إليها أعلاه لا يوجد بها أى نشاط زراعي بالموقع المقترح أو إنشاءات أخرى وهو عبارة عن كثبان رملية غير صالحة للزراعة لافتقارها إلى العناصر الأساسية للتربة .
والمساحة المقترحة تكفي لأي توسعات مستقبلية لإنشاء الحقل المائي بحيث يكفي احتياجات مدينة سبها المستقبلية حتى سنة 2100م مع العلم بأن المسافة بين البئر والآخر لا تقل عن 500 متر وذلك للمحافظة على عدم تداخل الآبار في حالة الضخ ويوجد بها عدد من الآبار تم تنفيذها في السابق على عمق 400 متر تحت سطح الأرض وكانت الإنتاجية تتراوح من 100 إلى 150 متر مكعب في الساعة ومنسوب الماء الساكن حوالي 35 متراً والمتحرك 50 متراً ومجموع الأملاح الذائبة حوالي 200 مليجرام لتر، وقد توقع حينها أن يصل عدد السكان قبل عام من الآن إلى ٣٥٠ ألف نسمة وأعماق الآبار : تتراوح من 400 متر متوسط الإنتاجية : 100 إلى 150م3/س. الاحتياجات الفعلية 92500 م3/ اليوم المستغل من 40 بئر : 96000م3 / اليوم ساعات التشغيل: 16 ساعة/ اليوم. تعتمد المنطقة اعتماداً كلياً على المياه الجوفية غير المتجددة (الآبار) في تزويد الشبكة العامة بالمياه للاستعمال الحضري وعليه فإن العمر الافتراضي المتوقع لهذا الحقل المائي قد يصل إلى أكثر من 100 سنة وذلك لأن عمق التغليف سوف يكون حوالي 250 متراً ومعدل الهبوط حوالي متراً في السنة.
Share this content:
إرسال التعليق