×

ليبيات في خطوط النار

ليبيات في خطوط النار

       عندما تتساقط القذائف على المدن، لا تنهار المباني وحدها. خلف الجدران المحظمة، تنكسر الأرواح، وتُختبر قدرة البشر، لا سيما النساء، على النجاة. في ليبيا، دفعت النساء ثمنًا باهظًا في فترات النزاع، لم يكن الحزن فيه خيارًا، بل ضرورة مؤجلة في خضم الصدمات، النزوح، فقدان الأحبة، وغياب الأمان.

في هذا التحقيق، نستعرض شهادات حية لنساء واجهن الحرب في طرابلس، وخرجن منها وهن يحملن وجعا صامتا، وتجارب لا تزال تنزف. من الأرامل والمربيات، إلى الناشطات والباحثات، يروين لنا أثر الحرب على حياتهن النفسية والاجتماعية، ويتحدثن عن حاجة فلخة لمنظومة دعم شاملة، تعترف بتجربتهن وتستجيب لاحتياجاتهن.

زاهية المنفي
زاهية المنفي

“لا نحتاج فقط للدعم… نحتاج أن يسمعنا أحد”

تستعيد نيروز البدوي إحدى الناجيات، لحظات الحرب بقولها: “كان الضغط النفسي لا يُحتمل. في آخر يوم من الحرب، نزحنا إلى منزل أختي. وعندما توقفت الحرب، عدنا لمنزلنا، لكننا لم نعد نحن. لا تزال أصوات الرصاص تسكن ذاكرتنا.

“وتضيف بحسرة: “نحن في أمس الحاجة إلى

مراكز إيواء آمنة، وخطوط دعم نفسي مفتوحة على مدار الساعة. نحتاج إلى طواقم متخصصة تساعدنا على تجاوز التجربة. الدعم ليس ماديًا فقط، بل إنسانياً نحتاج إلى من يُنصت، لا من يُنظّر.

الدكتورة حميدة البوسيفي:

الحرب قيدتنا وكتمت أصوات أطفالنا

تقول أ.د. حميدة علي البوسيفي، الباحثة الأكاديمية

بجامعات طرابلس: “فقدنا الشعور بالأمان، ليحس فقط كأمهات وأكاديميات، بل كأسَر كاملة. توقفت الجامعات، أغلقت المدارس، امتلأت بيوتنا بالأسئلة: ماذا يحدث؟ همل سننجو؟”وتوضح كيف انعكس ذلك على أطفالها:

“تصاعد القلق والتوتر والاكتئاب. الأطفال تحديدًا تأثروا بشكل عميق. لهذا نحتاج إلى برامج نفسية واجتماعية للأطفال والنساء، مع توفير فرص عمل ومشاريع صغيرة لتخفيف الأعباء.”

عواطف قويعه: لسنا بحاجة لمساعدات بل لإنهاء التناحر

الناشطة السياسية عواطف قويعه تختصر المأساة

في كلمات حادة:

“نحمن لا نحتاج فقط إلى دعم… بل إلى نهاية حقيقية للتناحر على المناصب. الحرب دمّرتنا نفسيًا.

فقدنا شبابنا، تيتم أطفالنا، وترملت نساؤنا. هذه البلاد تستنزف نساءها.”

سهام السويح: الحرب سرقت أختي وروح العائلة

تحكي الأستاذة سهام السويح، من وزارة التعليم، بوجع شديد: “الحرب لم تأخذ منا فقط الأمان، بل سرقت أختي سعاد. استشهدت في بيتها ليلة 14 مايو 2025، برصاصة طائشة. لم تكن في الشارع، لم تكن تحمل سلاحًا. كانت فقط أمًا تجلس مع ابنتها.”وتضيف: “كانت سعاد قلب العائلة، وركنًا من أركان التعليم في سوق الجمعة. استشهادها فجّر زلزالًا نفسيًا في حياتنا. لم تعد بيوتنا تحمينا. أطفالها فقدوا الحضن، وأمي فقدت أنسها. حتى الصمت أصبح موجعا.

“وتختم: “من أجل سعاد، ومن أجل كل امرأة عاشت هذا الجحيم، يجب أن نطالب بمراكز دعم، برامج نفسية، وتمكين اقتصادي حقيقي للنساء.”

قميرة الكريكشي: نحن الفئة الأكثر عرضة للخطر

تقول النائبة في الاتحاد النسائي قميرة الكريكشي: “الحروب تترك ندوبًا لا تُشفى بسهولة.

نحن النساء أكثر الفئات عرضة للخطر: نتعرض للصدمة النفسية، القلق، العنف، الفقر، والتهميش.

حتاج إلى قرارات تأتي من أعلى الهرم… نحتاج إلى وعي مجتمعي يُنهي الحروب ويُعيد للناس رزقهم وكرامتهم.”

مفيدة المصري: الخوف كان سيد الموقف

تصف مفيدة المصري، الناشطة وعضوة الحركة الكشفية، تجربتها خلال المواجهات المسلحة:

“كنا نعيش القلق اليومي: هل ستتسع دائرة

الحرب؟ هل سننجو؟ هل نخرج غدًا أم نختبئ؟ الاشتباكات وصلت للأحياء السكنية. تأثرت قدرتنا على التخطيط أو حتى الحلم. لم نكن نعلم إلى متى سيستمر هذا الرعب.”

وتؤكد رغم كل ذلك: “لكن النساء لم يكنّ سلبيات.

في كل مرحلة، كنّ جزءًا من الحل: وفّرن أماكن للنازحين، قدن مبادرات للسلام، وواجهن الألحم بمبادرات صغيرة تنمو من تحت الركام.”

ملاك غيث: السلام يُبنى من أصوات النساء

أما ملاك غيث، مديرة البرامج في منظمة “لماذا

أكثر من 270 ألف نازحة في ليبيا منذ 2011

من يُعيد لهن الأمان؟

أنا“، فتحدثت عمن تأسيس “الحوار النسوي الليبي من أجل السلام”: “هذا الحوار نشأ من رحم الألم، دون أي دعم من المؤسسات السياسية أو الأكاديمية. رغم شح الموارد، نواصل بناء برامج تأهيل للنساء الناجيات.

نؤمن أن النساء قادرات على بناء السلام، متى أتيحت

لهن المساحة.”

خارطة طريق لدعم النساء بعد النزاعات

  • استنادًا إلى هذه الشهادات، يمكن تلخيص أبرز مطالب النساء في ليبيا بعد الحرب في الخطوات التالية:
  • إنشاء مراكز دعم نفسي متخصصة ومجانية

لعلاج الصدمات الحربية.

– توفير ملاجئ آمنة ومجهزة للنساء والأطفال

المتضررين.

إطلاق خطوط ساخنة سرّية وآمنة لتقديم الدعم

النفسي والقانوني.

– تفعيل برامج تمكين اقتصادي ومشاريع صغيرة

لتأهيل النساء بعد الأزمات.

– تنظيم حملات توعية مجتمعية لمناهضة العنف

وتعزيز التضامن خلال النزاعات.

– إنشاء منصات للتواصل وتبادل الخبرات بين النساء من مختلف المناطق.

إشراك النساء في لجان المصالحة الوطنية لضمان

تمثيل أصواتهن.

  • توفير استشارات متخصصة للأمهات والأرامل والناجيات من العنف.
  • دعم مؤسسات المجتمع المدني النسائية لتوسيع نطاق عملها في مناطق النزاع.
  • الاعتراف الرسمي بتجارب النساء وتوثيقها كجزء من ذاكرة الحرب في ليبيا.

خاتمة

الحرب لم تكن فقط على الجبهات، بل في قلوب النساء. في كل بيت فقد، وكل أم ترمّلت، وكل طفلة كبرت قبل أوانها. أصوات النساء في هذا التحقيق ليست صدى لوجع عابر، بحل شهادة على صمود مستمر، ودعوة للاستماع، والفعل، والإنصاف.

Share this content:

إرسال التعليق