على ظهر ثور
د. الصديق بودوارة
في إثيوبيا توجد قبيلة تسمى «هامر»، وهو الاسم المحرف قليلا لكلمة «أحمر»، ولكن لا يهمني الاسم بقدر ما يعنيني ما غرفت به هذه القبيلة من عادة غريبة.
إنهم (أي رجال هذه القبيلة ) يسعون إلى إثبات رجولتهم بطريقة تبدو غريبة بعض الشيء، إنهم يقومون باعتلاء ظهر أقوى ثور تمتلكه القبيلة اثناء هيجانه وركضه السريع في طقوس مضنية تستمر لثلاثة أيام كاملة.
إن الشاب في هذه الأيام الثلاثة المشحونة يحمل على ظهره كرامة القبيلة وشرف العائلة وماضي الأجداد واسم الأب. كل هذا الإرث يحمله على كتفه ثم يحمل الثور كل هذا ويركض بلا توقف.
عشكلة كبيرة أن تحمل كل تاريخك على ظهر ثور.
إن طقوس هذا التقليد تبدأ ب15 ثوراً تُفرك ظهورها (الملساء أصلا) بالروث، حتى تصبح زلقة تماماً، وعلى الشاب أن يحافظ على توازنه بينما يركض الثور، وأن لا يسقط على الأرض مهما حاول الثور إسقاطه، عليه إذن أن لا يسقط، وإلا سقط معه شرف العائلة وانهار تاريخ القبيلة حتى إشعار آخر.
الشاب الذي ينجح في الحفاظ على توازنه سوف ينتقل إلى مرحلة الرجولة الكاملة، وسوف ينعم بالزواج من الفتاة التي اختارها له والده (هذا اتفقنا على أن الزواج نعمة ) وسوف يصبح مؤهلا
قبلياً ومجتمعيا لتربية أطفاله والعناية بماشيته.
إن نتيجة اختبار ظهر الثور هنا هي نتيجة صفرية، إذا نجح فسوف يعتلي قمة المجد، وإذا فشل فليس له إلا الخذلان وانتظار عام كامل حتى يتمكن من إعادة المحاولة.
ولا حلول وسط بين الحالين، شيء يذكرني بذلك البيت الشهير لأبي فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط عندنا ..
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
أن تضع كل مستقبلك على ظهر ثور، هو رأي أخطل بجميع المقاييس، رأي يقارب ذلك المثل الذي يوصيك بأن لا تضع كل البيض في سلة واحدة، وخاصة لوكان الثور هائجاً ويركض بلا توقف وظهره أملس خاصة بعد دهنه بالروث.
حكمة القصة واضحة، والعبرة لا تخفي وجهها خلف قناع، والمعنى سافر لا يستحي من تبيان رأيه.
في ركوبك على ظهر ثور يركض غاضباً، وأنت تضع عليه كل مستقبلك وحاضرك معاً، حكاية مثيرة بمواصفات صعبة، ومقدمات فشل واضحة كالشمس في رابعة النهار، لكن الدنيا مازالت إلى الآن تتكرم على ظهور الثيران بالمزيد من
الحمقى.
وصب المر .. كان المرطاب.
Share this content:
إرسال التعليق