صرخة من الظلام
في أحد أيام الخريف، وبينما أوراق الأشجار تتساقط كدموعٍ على فراق الأحبة، دخلتْ عليّ امرأةٌ في العقد الرابع من عمرها،يبدو على وجهها شحوب وتعب وحزن عميق كانت خطواتها ثقيلة كأنها تحمل جبالاً من الهموم، وعيناها تائهتين كأنهما تبحثان عن بصيص أمل في ليلٍ طويل.
» أشراف: منى أبوعزة

جلستْ أمامي، ورفضتْ أن تتحدث إلا وجهاً لوجه، كأنها تخشى أن تنكسر كلماتها في الهواء قبل أن تصل إلى قلبي. كانت السيدة ب.ع، في الثاني والأربعين من عمرها، أم لثلاثة أطفال، تعمل في مجال التعليم، يتيمة الأبوين، تزوجت منذ سبعة عشر عاماً، وانتقلت إلى بيت زوجها في منطقة بعيدة عن منطقتها.
بدأتْ حديثها بكلماتٍ موجعة : «أنا منتهية تماماً إما أن أجد لديكِ الحل، أو أموت وأنتهي».
حكتْ لي قصتها بصوتٍ متقطع، كأنها تستعيد شريطاً من الذكريات المؤلمة. قالتْ: «تزوجتُ من رجل غريب عن منطقتنا، ولم أحظَ بفرصة للتعرف عليه قبل الزواج، بسبب العادات والتقاليد. بدأتْ مأساتي من الأسبوع الأول، رجلٌ يقضي معظم وقته خارج المنزل، ووالدته امرأةٌ صعبة المِراس وغريبة الأطوار. لم يتقبلني قلبهما، ولم أجد فيهما سنداً أو عوناً.
سألتهُ عن سبب غيابه المستمر، ولاحظتُ عليه بعد عودته أنه في حالةٍ غريبة، فواجهتهُ بسؤالٍ مباشر: هل تتعاطى شيئاً؟ أجابني بكل ثقة: أنا مدمن خمر، ولا أرغب في الإقلاع عنه.
شعرتُ حينها أنني في دوامة لا نهاية لها، مع شخص مريض. بكيتُ بحرقة، وتدمرتُ، لكنني لم أستطع البوح لأحد، بسبب تهديده لي بفضح أمري. رضيتُ بالوضع واستمررتُ، إلى أن اكتشفتُ حملي الأول بتوأم.
زادتْ معاناتي، فقد كان زوجي يعاني من تبول لا إرادي بعد أن يشرب الخمر، فأصبحتُ في معاناة أخرى. استمرتْ حياتي مع المشاكل المتراكمة من والدته، وأصبحتُ أماً لثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر الآن سبعة عشر عاماً، يعانون من ضغوطات نفسية بسبب والدهم المخمور دائماً
حاولتُ جاهدةً أن أساعدهُ على التعافي، لكنهُ رفض بسبب التربية العنيفة التي ربتهُ والدتهُ عليها. عشتُ تعيسة وحزينة ووحيدة، والآن لم أعد أستطع التحمل أكثر، أصبحتُ مريضة بالسكر والغدة، ولم أعد أرغب في الاستمرار. ماذا أفعل؟ أنقذيني».
جذْرُ المشكلة ..
كان في قبولها بالتحمل من البداية، في حين أنها كانت تستطيع أن تعود إلى بيت أهلها وتنهي المعاناة من بدايتها.
أما الحل الآن،
فهو أن تتركه، وتكمل حياتها مع أبنائها في بيتها الذي أعطتهم الدولة إياه، وتحاول أن تبني مستقبلاً أفضل لهم بعيداً عن هذا المرض الذي جثم على صدر الأسرة.
هذه هي قصة السيدة ب.ع، قصةٌ حزينة ومؤلمة، ولكنها في الوقت نفسه قصةٌ ملهمة، تعلمنا أن الحياة لا تتوقف عند محطة الألم، وأن الأمل يبقى موجوداً مهما اشتدت الظروف.
Share this content:
إرسال التعليق