سنغافورا وكوبنهاجن وفانكوفر نماذج ناجحة للتخطيط العمراني
للفنان التشكيلي دور كبير في التخطيط العمراني. فدوره لا ينحصر في رسم لوحة أو نحت تمثال، بل يتعداه إلى ما هو أكثر أهمية، كالمساهمة في تغيير شكل وطابع المدينة، بما يضيفه من لمسات جمالية وإنسانية تجعل المدن أكثر حيوية وتناغما.
وأحد أهم أدوار الفنان التصميم الجمالي للمساحات العامة، مثل الحدائق، والساحات، والمرافئ، التي تشكل متنفساً للسكان. ليس هذا فحسب، بل يمكنه أيضاً إضافة عناصر فنية، كالمجسمات، والنافورات، والجداريات، التي تبث روح الحياة في المكان. فقط تخيلوا المدرج الروماني أو حدائق بابل؛ إنها أعمال فنية معمارية أصيلة.
الفنان والهوية الثقافية للمدن
يساهم الفنان في تغيير شكل وطابع
في الدول التي تراعي مسألة التخطيط العمراني، يسند للفنان دور إحياء الهوية الثقافية للمدن، حيث
المدينة بما يضيفه من لمسات جمالية
يجعل كل مدينة تتميز بشخصيتها المختلفة والمتفردة، باعتباره الأداة التي تبرز هذه الشخصية. الحكومات وإنسانية تجعل المدن أكثر حيوية وتناغماً

في الدول التي تراعي مسألة التخطيط العمراني، يسند للفنان دور إحياء الهوية الثقافية للمدن، حيث
المدينة بما يضيفه من لمسات جمالية
يجعل كل مدينة تتميز بشخصيتها المختلفة والمتفردة، باعتباره الأداة التي تبرز هذه الشخصية. الحكومات
الوطنية والمحلية في الدول المتقدمة تدرك أهمية هذا الدور؛ لذا تستعين بالفنانين في المراحل المبكرة من التخطيط المعماري، بهدف إنشاء مشاريع تضم عناصر تعكس تراث وثقافة المكان. نلاحظ ذلك بوضوح في «الزخارف الإسلامية» المنتشرة في الدول الإسلامية، وخصوصاً المغرب، حيث تتميز مبانيها بالنقوش والزخارف، وترصف سماحاتها بالبلاط المزخرف.
وكذلك الطابع المعماري الروسي التقليدي، الذي تتميز مبانيه بقباب بصلية الشكل ذات ألوان مبهجة، مثل تلك الموجودة في مبنى «الكرملين».
يتمتع الفنان بنظرة جمالية للمكان، يحسز تحويل المهمل منها إلى لوحة فنية. فكثيراً ما نجد الأحياء الشعبية العشوائية في الدول الفقيرة تبدو للناظر كتحفة فنية تخطف الأنظار؛ والسبب؛ هو أن فناناً استخدم فرشاته لرسم وتلوين جداريات جذابة، تنعكس على روح المكان وعلى المزاج العام للسكان. كما يعمل الفنان مع المهندس المعماري لخلق تصاميم متناغمة مع الطبيعة، مستخدماً مسوادًا مستدامة ويختار ألواناً مستوحاة من البيئة. بل ويقوم بتصميم أماكن تحاكي الطبيعة، تشجع السكان على العيش وسط المساحات الخضراء.
الدول التي تراعي مسألة التخطيط العمراني تسند للفنان دور إحياء الهوية الثقافية للمدن.

إن دور الفنان في التخطيط المعماري لا يقتصر على تصميم مبان تفي بالجانب الوظيفي العملي للبناء فقط، بحل أيضا يركز على مدى كونها جذابة بصرياً. مبنى مثل «دار الأوبرا» في سيدني، الذي يعد أحد أجمل مسارح العالم، تحول على يد فنان إلى أيقونة عالمية. كذلك مبنى «كازا باتيو»، الذي صممه «غاردي»، قلب موازين العمارة بالكامل.
تشكل الكثير من المدن نماذج ناجحة للتخطيط العمراني، مما انعكس بشكل مباشر على جودة حياة سكانها. مدينة «كوبنهاغن» الدنماركية، المعروفة أيضاً باسم «مدينة السعادة»، تعتبر واحدة من أفضل المدن من حيث المباني وشبكة الطرق. ففي تصميمها تم مراعاة ضرورة وجود شبكة طرق ممتازة يستخدمها الدرّاجون، وأوليت للمناطق الخضراء التي نراها في كل مكان عناية خاصة. هذان الأمران ساهما في زيادة.

مستوى الأكسجين في الهواء، لينعكس ذلك على الراحة النفسية للسكان. وتؤكد تقارير دورية متعلقة بمستوى سعادة الشعوب، أن سكان كوبنهاغن يعيشون حياة عالية الجودة، تتسم بالراحة والصحة، بفضل تقليل نسبة التلوث، واعتماد الناس على المواصلات الصديقة للبيئة.
وتعد «سنغافورة» نموذجاً للمدن المخططة بشكل ذكي، حيث تم إدماج الطبيعة في كل شيء تقريباً.
نظرة عامة على البلاد توضح التداخل بين المساحات الخضراء والإنشاءات بمختلف وظائفها. إلى جانب اعتمادها على نظام مروري ذكي قلل من الازدحام.

ونتيجة لذلك، ينعم السكان ببيئة نظيفة وخدمات متطورة، كما أن الأحياء متصلة ببعضها البعض بأسلوب يجعل التنقل سهلا وسريعا.
وهناك تصميم فريد تمثله «فانكوفر» الكندية، يركز على السكان أكثر من المواصلات. شوارعها تعطي الأسبقية للمشاة وراكبي الدراجات، كما تكثر فيها الواجهات المائية المفتوحة والمتنزهات التي تجعل السكان أكثر نشاطاً بفضل التصميم الذي يشجع على الحركة وممارسة الأنشطة في مدينة تتميز بجودة هواء عالية.
باختصار، يمكن للفنانين أن يجعلوا من المدن مكاناً للتأمل والإلهام والحياة، إلى جانب كونها مكاناً للعيش. وعملهم ليس فقط جعل المدن أجمل من ناحية الشكل، بل والرفع من قيمتها الثقافية والاقتصادية.
Share this content:
إرسال التعليق