روايـة تعكـس تــاريخ جــزيـرة هاييتـي أثنـاء الاحتـلال الفرنسـي
«الجزيرة تحت البحر»
للكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي
عمل أدبي صدر للكاتبة عام 2010م، تتحدث فيه عن وضع العبيد في جزيرة هاييتي التي وقعت خلال القرن الثامن عشر تحت الاحتلال الفرنسي، حيث يموت العاملون في مزارع قصب السكر جوعاً، بينما يستهلك العالم ما ينتجونه -في ظل ما يعانيه هؤلاء- بشراهة.

تصف الرواية مدى المعاناة والعذاب الذي تعرض له سكان الجزيرة الأصليون، والظروف المأساوية التي عاشوها، ونضالهم من أجل نيل حريتهم. توضح الكاتبة، عبر سردها لقصة بطلة العمل، مقدار القوة التي تمتعت بها الأخيرة في مواجهة التحديات النفسية والجسدية التي اعترضتها. ومن هنا يتجلى للقارئ تساؤل مهم: هل الحرية تستحق كل التضحيات التي يعانيها البشر؟ وهل نستطيع أن نكون أحراراً حقيقيين وسط مجتمع مليء بالقهر؟
تبدأ الرواية بوصف «تيتي» -محور القصة- للحياة التي عاشتها، قائلة: ‘‘خلال سنوات عمري الأربعين، كنت أنا، زاراتيه سيديلا، محظوظة أكثر من عبدات أخريات. سأعيش طويلاً وستكون شيخوختي سعيدة لأن نجمي -طالعي- يُشع حتى عندما تكون السماء غائمة… لقد أنجبت أربعة أبناء ولي حفيد واحد، وصار الأحياء منهم أحراراً’’.
يتتبع العمل حياة هذه الفتاة الممتدة لأربعة عقود كاملة، كاشفاً مدى أهوال العبودية التي مورست ضدها من قبل سيدها الاقطاعي، المالك لإحدى أكبر مزارع قصب السكر في سان دومانغ. كما يعرض الوحشية التي مارسها الاقطاعيون على السكان الأصليين. والتي تسببت في موتهم جميعاً ضحية العبودية، والأمراض الأوروبية، والانتحار، وقتلهم بوسائل بشعة مثل عادة «الاستكلاب»، وهو القتل بحثّ الكلاب عليهم. وبعدما قضى الاحتلال على ما تبقى منهم، استورد عبيداً مخطوفين من إفريقيا، وبيضاً من أوروبا، من المجرمين المحكومين والأيتام والمشاغبين، لإدارة تجاراته في الجزيرة.
تظهر «تيتي» في العمل كشخصية رئيسة وكنموذج قوي لامرأة قادرة على التكيف مع قسوة الظروف التي تواجهها. فقد عاشت حياتها منذ ولادتها كعبدة تحت سيطرة المستعمر، وبالرغم من القهر الذي تعرضت له، كانت تواصل السعي لإيجاد طرق للتمرد لنيل حريتها.
الرواية ممتعة ومشوقة؛ إذ ما يميّز كتابات الليندي هو جمعها بين الخيال والواقع التاريخي، ودمجها الحكاية الشخصية مع أحداث تاريخية كبيرة مثل الثورة الهايتية ونضال العبيد ضد الاستعمار الفرنسي. حيث تتجاوز الكاتبة التركيز على القصة الفردية للبطلة لتفتح نافذة على تاريخ منطقة البحر الكاريبي وواقع سكانه الأصليين المعقد.
وحسب القراء، تميزت الرواية بكونها من ‘‘وحي التاريخ الاستعماري لجزيرة هاييتي، حيث تعد من أبلغ الشهادات ضد الممارسات الاستعمارية الوحشية إدانة في وتأثيراً’’.
اتسم البناء السردي للكاتبة بغناه بالتفصيل والرمزية، وبالقدرة على إيصال مشاعر الشخصيات للقارئ بشكل يبدو حقيقياً، لتنجح في جعل القارئ يشعر وكأنه جزء من القصة. تنقل «الليندي» معاناة الأشخاص بتعبير شديد الحساسية دون مبالغة في إظهار القسوة. كما نجحت في جعل مرحلة الثورة الهايتية والاضطرابات السياسية والاقتصادية خلفية أساسية للأحداث. يعود هذا النجاح إلى طريقتها في كتابة أعمالها الروائية، والتي تبدؤها بالبحث والنبش في تاريخ البيئة التي تنوي تسليط الضوء عليها، لتأتي مستندة إلى الأحداث التاريخية.
Share this content:
إرسال التعليق