×

ثيودورياس

ثيودورياس

عشرة صفوف من الضوء المفقود رسائل بيزنطة للجبل!

ثيودورياس أو كما تعرف اليوم” بقصر ليبيا” هي قرية صغيرة بريف الجبل الأخضر شرق ليبيا ضمن نطاق إقليم برقة التاريخي غرب مدينة البيضاء بمسافة 50 كم تقريبا على تقاطع الطريق الذي يربط ما بين طريق المرج-البيضاء وبين طريق قصر ليبيا-مراوة.

وهى بلدة يرجع تأسيسها إلى فى منطقة برقة _ سيرينايكا قديماً . تأسست بالقرن السادس الميلادي على يد الإمبراطور البيزنطي جستنيان وقد تم تحديد هذا التاريخ من خلال ما تم اكتشافه من معالم اثرية مهمة ترجع إلى تلك الفترة.

الخبير الأثري: رمضان امحمد الشيباني

وبعد ما تم من اكتشافات أثرية مهمة بهذه القرية التي حضت باهتمام بالغ من قبل المختصين والاثربين بدؤا في البحث عن التسمية القديمة لهذا الموقع فربط جودتشايلد مراقب اثار المنطقة الشرقية في ذلك الوقت بين التسمية الحديثة أي قصر ليبيا و بين اسم قرية او مركز اسقفية ذكرها الاسقف سينسيوس في بداية القرن الخامس الميلادي في الرسالة رقم

76باسم اولبيا (Olbia) وكأن التسمية الحديثة تحريفا

لاسم اولبيا القديم الا ان التسمية الي عرفت بها هذه المنطقة في عصر الامبراطور جستنيان 565 – (527م (هي تيودورياس (Theodorias) نسبة الى الامبراطورة تيودورا

548-(527م (زوجة الامبراطور جستنيان التي تربت في أبولونيا المجاورة) سوسة الحالية . (ويبدو ان المدينة جددت واعيد بناؤها في ذلك العصر في موقع قديم ربما كان يرجع استعماله في فترة الاستيطان الاغريقي بالمنطقة منذ القرن الرابع ق.م .وقد شغله فيما بعد حصن او كنيسة محصنة صليبية وقد جاءت شهرة المكان فيما بعد من خلال هذا الاكتشافات.

ظروف الاكتشاف:

وتجدر الاشارة ان تلك المنطقة الاثرية لحم يعطها الاثريون اهتماما كبيرا الا بعد عام 1957 عندما كان احد الفلاحين يقوم باستصلاح واستزراع ارضه في منطقة مرتفعة قرب القلعة التركية الايطالية مما ادى وعمن طريق الصدفة الى الكشف عن جزء من ارضية فسيفسائية كانت مردومة بالتراب منذ زمن بعيد و سرعان ما وصل خبر الاكتشاف الى الاستاذ ريتشارد جودتشايلد الذي سريعا ما زار مكان الاكتشاف واتضح له اهمية المكان مما جعله يصدر تعليماته بالبدء في اعمال الحفر والتنقيب التي نفذها فريق عمل بمراقبة آثار شحات بإشرافه خلال الفترة ما بين عامي 1957 – 1958م والتي اسفرت عن الكشف عما اصبح يعرف فيما بعد بالكنيسة الشرقية بأرضياتها الفسيفسائية الرائعة

وتعد هذه الارضيات من أهم الكنوز الفنية المهمة فى عصر الإمبراطورية البيزنطية فى ليبيا من حيث تنوع موضوعاتها وتقنياتها الزخرفية وتعمدد مشاهدها ودرجة

الحفظ الممتازة الامر الذي جعلها تنفرد عن غيرها من الكنائس التي ترجع إلى تلك المرحلة التاريخية المهمة من تاريخ الإمبراطورية البيزنطية في ليبيا.

وقد ظلت تلك الفسيفساء في مكانها فترة من الزمن مما عرضها للرطوبة والاملاح التي هددت بتلفها وبعد استشارة متخصصين من منظمة اليونسكو تقرر ان تنقل لوحاتها الخمسين من مكانها لتعرض في متحف صغير اقيم لهذا الغرض بجوار الكنيسة الغربية افتتح رسميا في 1972.4.18 م. وقد شملت معروضاته خمسين لوحة فسيفسائية مربعة الشكل أبعادها

65×65سم والتي كانت جزءا من أرضية فسيفسائية لصحن الكنيسة الشرقية وهي تحمل مشاهد حيوانية وآدمية واسطورية وعمرانية ونباتية وبحرية الى جانب كتابات اغريقية وقد اشتهرت أيضا بتناسق ألوانها وتنظيم مكعباتها حيث أبرزت جماليات لا يوجد مثيل لها في الاقليم بشكل عام وقد حيرت هذه المشاهد الباحثين والدارسين لها عندما حاولوا ايجاد تفسير منطقي مترابط بين اللوحات والكنيسة وبين التفسير الكهنوتي و التفسير الناسوتي ويبدو ان هناك اتفاقا على ان بعضاً من هذه اللوحات قد تعبر عن اعادة بناء هذه المدينة من جديد تحت اسم ثيودورياس في القرن السادس الميلادي واجمالا تعد هذه الفسيفساء اروع ما عثر عليه من فسيفساء في ليبيا في العصر البيزنطي.

موضوعات الارضيات الفسيفسائية

مكعبات من حجر والوان وتقنيات وصور وحروف

تشير إلى ازدهار واستقرار حضاري في غاية الأهمية اشتهرت الفسيفساء التي جاءت من الكنيسة الشرقية لأهميتها الاصيلة وإلى حالة حفظها الجيدة والمكتملة فعليا وبالنظر الي صعوبة المحافظة على الجزء الأكبر منها في مكانها الأصلي في الأرضية فقد تم اعتماد حل مناسب يتمثل في نقل اللوحات الفسيفسائية وتعليقها بوصفها صورا منفصلة في معاني مواضيعها على جدار المتحف الذي انشأ في سبعينيات القرن الماضي ليحوي تلك المشاهد الفسيفسائية الرائعة وبهذه الطريقة يمكن مشاهدتها بسهولة ويمكمن أكبر عمدد ممكن من الزوار من الوصول إليها.

تتألف هذه الأرضية الفسيفسائية من خمسين لوحة في عشرة صفوف في كل صف خمس لوحات مرتبة كما هو في الشكل المرفق .

اما بخصوص الموضوعات التي تناولتها اللوحات فهو واسع ومتشعب نجد أنه في المشهد الأول خليط مدهش بين المسيحية والوثنية ونلاحظ ان الحرفي الذي قام بتنفيذ هذه الارضيات يظهر واضحا انه المسؤول على تنفيذ ارضيات كنيستي قوريني وكنيستي ابولونيا الوسطى والشرقية وكنيستي رأس الهلال وتوكرة حيث تتحد هذه الارضيات في تصوير المواضيع بطرق مختلفة .

الآرضية الفسيفسائية الاولى :

عند الدخول للمتحف سيلاحظ أولا الفسيفساء التي تمثل (منارة الاسكندرية ) “Pharos _ والتى تعد إحدى عجائب العالم السبع القديمة ( وتعد هذه اللوحة في غاية الأهمية لان منارة الإسكندرية صنفها هيرودوت من عجائب الدنيا السبع القديمة والتي تم تشييدها غي عهد بطليموس الثاني246 – 285ق.م .ودمرت في زلزال الإسكندرية الشهير عام 302 م وهي حاليا غير موجودة ولم يعرف لها شكل الا من خلال هذه

اللوحة الفسيفسائية .. وبالتحرك ناحية وسط المتحف سليشاهد الزائر منظرا “لطاووس ” وهو يرمز إلى

“البعث ” ويرى تصوير اخر يمثل “اورفيوسOrpheus

_ “المغنى التراجانى الشهير في الميثولوجيا القديمة الذى انتصر على الموت .وبتحرك الزائر واقترابه نحو

“حنيَة الكنيسة يمكنه أن يرى فسيفساء تمثل أنهار جنة عدن الأربعة وهذه الأنهار تسمى_ Euphrates

الفرات _ Tigris دجلة_ Gihon جيهون ويرجح أنه يمثل نهر النيل و _ Pishon بيشون ويرجح أنه يمثل نهر الدانوب . ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن المصمم لتلك اللوحمات الفسيفسائية ضمنهما زخارف كلاسيكية فهنماك صور مستوحاة من مصادر واساطير يونانية قديمة مثل ذِكر اورفيوس والنبع القشتالى.

تمازج الفن الوثني والمسيحي في لوحات فريدة

الأرضية الفسيفسائية الثانية :

فكانت موجودة فى الغرفة الملحقة إلى الشمال من الصحن المركزى للكنيسة الشرقية وهى معروضة أيضا بالمتحف وفى هذه الفسيفساء لا يستشف أي إشارة إلى المسيحية على عكس الفسيفساء الأولى التى سبق ذكرها.. ويُرى بوسط هذه الفسيفساء تصوير لمشهد متعلق بالنيل وتمساح يهاجم بقرة وفلاحا يحاول تخليص بقرته وجرها بعيداً عنه . أما فى الجزء الأيمن من الفسيفساء، فيصور مجموعة صيادين مع زهور اللوتس وبطة أما حافة أو إطار الفسيفساء فمزينة بكل أنواع الحيوانات والنبات وهنماك مشهد لحيوان الآيل وهو يصارع ثعبان كما يوجد نقش كتابي مستدير والذى يقول محتواه أن المبنى قد تم الانتهاء منه فى السنة الثالثة من ” المؤشر او الوحدة الزمنية المرجعية من قِبل أسقف يدعى ثيودوروس الأصغر وهو نظام تقسيم زمنى متمثل فى فترة مالية مدتها 15 سنة كانت تستخدم قديماً كوسيلة لتأريخ الأحداث والمعاملات فى الامبراطورية الرومانية وهذا النظام كان قد أسسه الامبراطور قسطنطين عام

313م واستمر العمل به فى عدد من الأماكن حتى القرن السادس عشر) والنقش الكتابي الموجود على الفسيفساء والذى انجزه نفس الفنانين تم صنعه فى نفس السنة أى الثالثة 539 م يشير على أنها على يد أُسقف يُدعى ماكاريوس . Macarius _ لذا فعلى الأرجح أن ثيودوروس كان خليفة ماكاريوس .كما أن هناك نقش كتابيا أخر يتضمن دعاء.

الكنيسة الغريبة

الكنيسة الغربية إذا ما قارناها بالكنيسة الشرقية غستبدو أقل أهمية بكثير من الكنيسة الشرقية لأن غالبية ارضياتها الفسيفسائية قد اختفت وما تبقى منها لايتجاوز قطعة فسيفساء واحدة والتى يصور غيها رمز أو إشارة الصليب بين غزالين وهذا النمط من الزخارف كان أحد الألوان الفنية والزخرفية الشائعة وقتها ومستوحى أو يشير إلى إقتباس من الكتاب المقدس والذى جاء فيه ) : مثل الغزال الذى يتوق إلى جداول المياه تشتاق روحى اليك يارب.

وعلى الرغم من أن الكنيسة الغربية مزينة بفسيفساء أقل جمالاً من الكنيسة الشرقية إلا أن الغربية لازالت محفوظة بشكل أفضل من الشرقية من ناحية مبنى الكنيسة إذ مازال بإمكان الزائر أن يشاهد الفسيفساء وهي في أرض الموقع نفسه.

مبنى الكنيسة بشكل عام يأخذ شكل الصليب فى مسقطه الأفقى وهذا النوع من تخطيط الكنائس كان إبتكارا معماريا متحداولا وشائع في القرن السادس الميلادي.

ولهذا تعد ثيودورياس من أهم روافد الجدب السياحي واحد أهم مواقع السياحة الثقافية بالجبل الأخضر لما لها من جماليات فنية وشواهد وأدلة تاريخية تشير إلى أهمية المنطقة.

Share this content: