العربيات شاهد على أعراسنا زمان
عبد السلام الزغيبي
لابد من العودة بين الفينة..والأخرى إلى ذلك الزمن الجميل، الذي يحفز الذاكرة لمزيد من التفاصيل حول مشاهد وأماكن وذكريات حبيبة إلى قلوبنا، ذكريات طفولتنا وصبانا وتلك الوجوه الطيبة التي ربطتنا بها الصلات الجميلة الدافئة..كنا مجموعة من الأطفال والصبيان نَضُج بالحياة والحيوية، ننطلق إلى الشارع، نلعب «الكورة، والليبرة » وغيرهم من الألعاب الموسمية، مثل« المقاليع،والبطش، والتصاوير».
وأحيانا نجري( نشعبط) لنلحق بالكاروات والعربيات، وإذا تمكنا من الركوب على اللوحة الخشبية خلف العربية،لا ننجو في كثير من الأحيان، من تشليطة حارة من سياط العرباتجي، الذي يرسل سوطه الطويل، ويهوي به على ظهورنا الطرية، بمجرد أن ينبه أحد الأشقياء بأن أحدهم موجود في مؤخرة العربية، قائلاً:« اللي وراك ياسيدي».
إلى زمن غير بعيد كانت العربيات والكاروات والكراريس التي تجرها الخيول والبغال والحمير تستعمل في المناسبات الاجتماعية، وتحمل البضائع وتنقل الركاب.
الكاروات بعجلاتها الخشبية، استخدمت كوسيلة مواصلات، وكان لها خط يمر من حي سيدي حسين إلى الماجوري و بوزغيبة مروراً بشارع الكاروات( بوقعيقيص حالياً)، وكان هناك خط يربط ما بين سوق الجريد والصابري مروراً بالفندق البلدي،
وخط يربط ميناء بنغازي بمنطقة اللثامة، وفي كثير من الأحيان استخدمنا هذا الخط أنا وأقراني التلاميذ في الذهاب والاياب من وإلى مدرسة امحمد المقريف الاعدادية..وفيها تجلس النساء لابسات الجرود في منتصف الكارو، ومعهن الأطفال، أما الرجال فيجلسون على حافة لوحة الكارو المصنوعة من الخشب وأرجلهم متدلية في الهواء..واستخدم الكارو في نقل البضائع، والملح كذلك، وفي سنوات طويلة كنت أجلب به مصروف الحوش من المواد الغذائية، أو ما يعرف بـ ( السبيزا ) من دكاكين بيع الجملة في الفندق البلدي.
وكانت هناك محطات رئيسة للكارو، واحدة أمام ميناء بنغازي البحري، لنقل البضائع، وأخرى أمام «السبيطار الكبير» لنقل المترددين على المستشفى.
واستخدم السكان في بنغازي الكاروات في نقل أمتعتهم من بيت لبيت عند تأجير بيت جديد، يستأجرون الكارو بعد الاتفاق على الأجر الذي لا يتعدى خمسة قروش تقريباً.
كما استعملت الكاروات والعربيات، في الأعراس أيام زمان، حيث يتبارى أصحابها في إظهارها في أبهى زينة أثناء مواسم الأعراس،لزوم جذب الزبائن والتعاقد مع الأسر..
ففي يوم الرمي مثلا، يتجه موكب أهل العريس إلى منزل العروس يتقدمه الشباب سيراً على الأقدام وهم يرقصون على أنغام الغيطة فيما تلحقهم النساء راكبات (الكاروات) حيث الزغاريد وغناوي العلم.
وفي اليوم الثاني وهو يوم الحنّة، يتجه موكب الغيطة فوق الكاروات والنساء يحملن الحنة، ومعها الشموع. وبعد تزيين العروس بالحنة وخلافها، تبدأ النساء في نوبات من الرقص والغناء فيما يسهر الشباب على الألحان المرزكاوية حتى الصباح.
وفي اليوم الثالث، وهو يوم الزفة، يتغير الحال و تزف العروس في ( العربية) وتنشر فوقها البطانية الحمراء، وزغاريد لا حصر لها وفرحة وطبول ودفوف والعروس في أبهى حالاتها من الزينة.
وكان هناك ما يعرف بالكاليس، وهو عربة لتنقل الأفراد للنزهة و يجرها حصان.
وكانت هناك الكروسة بعجلاتها الحديدية، وهي أصغر قليلاً من الكارو و استعملت لنقل الأشخاص قليلي العدد، مع بعض أمتعتهم البسيطة، و يجرها حمار.
وكان في بنغازي، العربية، يجرها حصان،و تسيرعلى أربع عجلات كبيرة، ولها مظلة من أعلى، تحمي الركاب من المطر، ويكون للسائق مكان مرتفع فِي مقدمة (العربية) أمّا الركاب فمكانهم فِي الخلف حيث توجد أريكة وكرسي صغير يقابل الأريكة.وبجانب السائق عادة يجلس عادة رب العائلة، أو صبي يرافق الاسرة أو الوالدة، التي تجلس عادة في المقعد الخلفي.
اختفت العربية و الكروسة والكارو،من حياتنا الاجتماعية، ولم يعد أحد على ذكرها إلا نادراً. فقط ما تبقى هو ذكريات عشتها أنا شخصياً ولا أستطيع نسيانها أبداً، حيث الشعور بالزهو والتعالي أمام أقراني في الشارع، حين أجلس في الكرسي المرتفع في الأمام بجانب سائق العربية، والطريق كلها أمامي وأنظر لليمين واليسار وأقوم بدور الموجه وأنا اُشير للسائق أن يتبع الطريق الذي يقود باتجاه بيتنا وآمره بالوقوف أمام البيت، لإفساح المجال لركوب أمي أو إحدى قريباتنا، وتوصيلها للمكان المعلوم.
Share this content: