الصحافة الثقافية في ليبيا: بين قيود الواقع وأحلام التغيير

لا يخفي النويصري أن معضلة الصحافة الثقافية اليوم هي غياب الدعم، لاسيما المادي، مؤكدا أن خصوصيتها تكمن في أن روادها من الأدباء والكتاب أنفسهم، ما يمنحها اتصالا حيًا بالثقافة، لكن هذا الامتياز وحده لا يكفي.

يؤمن قادربوه بأن الحل هو أن يكون الصحفي صاحب قضية، لا مجرد ناقل، مطالبا كل صحفي بتطوير نفسه يوميا، ومواكبة نبض الناس،
ليصير صدى لصوتهم في معركة الجهل والمعرفة.
في زاوية قاتمة من المشهد الإعلامي الليبي، تقف الصحافة الثقافية، حائرة بين إرثها العريق ومصيرها الغامض. هنا، في بلد يعاني تمزقات السياسة ويصارع أوجاع الاقتصاد، تظل الثقافة منسية، صفحات قليلة ومتعثرة، تتنفس بالكاد، في انتظار من ينقذها من غيبوبة النسيان.
“هل لدينا صحافة ثقافية حقيقية؟” سؤال
يحمله الأديب والشاعر “رامز النويصري” بإصرار، ليجيب عليه بشيء من الأمل: “نعم، يمكن وبقوة، رغم كل التراجع والألم”. يتشبث النويصري بجذور التاريخ، حين كانت الصحافة الليبية مولعة بالثقافة، بل تصنع خطابها الثقافي على أسس فكرية ومعرفية متينة، كما في تجربة صحيفة “الأسبوع الثقافي”، قبل أن تحولها السياسة إلى بوق للسلطة.
ومع ذلك، لا يخفي النويصري أن معضلة الصحافة الثقافية اليوم هي غياب الدعم، لا سيما المادي،
مؤكدا أن خصوصيتها تكمن في أن روادها من الأدباء والكتاب أنفسهم، ما يمنحها اتصالا حيّا بالثقافة، لكن هذا الامتياز وحده لا يكفي. ويضيف: “في حال توفر الدعم والتخطيط، يمكن للصحافة الثقافية أن تزدهر بقوة، خصوصا مع وجود طاقات محلية مميزة”.
في زمن الرقمنة، يرى النويصري أن التحدي الأكبر هو القدرة على استيعاب هذا التحوّل السريع، وتطويعه لخدمة الثقافة، عبر منصات رقمية وخطط ذكية. أما أكبر ما يواجه الصحفي الثقافي، فهو غياب البيئة الثقافية ذاتها؛ فالثقافة تحتاج إلى

تطرح فيحاء العاقب حلولا تبدأ من الاستثمار في تدريب الصحفيين الشباب،
وتأسيس منصات رقمية ومطبوعة
متخصصة في الثقافة، ودعم التجارب
الفردية مثل منصة “بلد الطيوب”، مع تعزيز الشراكات بين المؤسسات الثقافية
والإعلامية.

يطرح عبدالحكيم كشاد حلولا عملية، منها إدراج الصحافة الثقافية كمادة دراسية مستقلة في كليات الإعلام، وإطلاق ورش تدريب مستمرة لتأهيل المحررين، إضافة إلى خطة تحريرية مستدامة تدمج الثقافة في كل الفضاءات الإعلامية، وتربطها
بالحياة اليومية.
استقرار مجتمعي، ومناخ يعزز الفعاليات والنشاطات، ومن هنا، يبقى الاجتهاد الذاتي والتطوير المستمر
السلاح الأهم.
لكن الشاعر “صالح قادربوه”، ينظر إلى المشهد بعين أكثر حذرا، بل أكثر تشاؤما، قائلا: “لا يمكن إنكار وجود صحافة تهتم بالشأن الثقافي، لكنها تفتقر إلى إنتاج خطاب ثقافي حقيقي، قادر على التأثير في المجتمع”. في رأيه، معظم المحاولات ما تزال حبيسة صحافة الورق، غائبة عن نبض الحاضر، مقيدة بمؤسسات تعيش في غيبوبة حضارية.
قادربوه لا يخفي قناعته بأن الحل يبدأ من تجديد المؤسسات الصحفية والثقافية من جذورها، داعيا إلى ضخ دماء شابة، تمتلك رؤى حرة ومعاصرة. ويؤكسد:
“الصحافة التي لا تتحرك أثرا في المجتمع، ولا تحرك قضاياه، يجب أن ترحل فورا”.
أما عن معركة الرقمنة، فيرى أن الصحافة الثقافية يجب أن تكون صوتا عاليا في الشبكة الرقمية، تعبر عن واقع الناس وحلمهم، محذرا من أن تجاهل هذا التحول يعني دخول الصحافة “مقبرة النسيان”.
وعن معادلة بروز الصحفي الثقافي، يؤمن قادربوه بأن الحل هو أن يكون الصحفي صاحب قضية، لا مجرد ناقل، مطالبا كل صحفي بتطوير نفسه يوميا، ومواكبة نبض الناس، ليصير صدى لصوتهم في معركة الجهل والمعرفة.
من جانبه، يقدم الصحفي والشاعر “عبدالحكيم كشاد” قراءة معمقة للمشهد، معتبرا الصحافة
الثقافية أحد أبرز أشكال العمل الصحفي النوعي، لدورها المحوري في تشكيل الوعي وتحفيز الفكر النقدي. لكنه لا يخفي واقعها المرير، حيث تئن تحت وطأة إهمال المؤسسات الإعلامية، وضعف التأهيل المهني، مع انغلاقها داخل قوالب نخبوية، تقصي القارئ العادي.
ويحذر كشاد من أن الصحافة الثقافية باتت محاصرة بوسمية النشر، والتغطيات المتباعدة، والاعتماد على مواد أدبية جاهزة، تخلو من المعالجة الصحفية الحيوية. ويرى أن جزءا كبيرا من الأزمة يكمن في غياب المحررين المتخصصين، حيث تهيمن الأقلام الأدبية على التحرير الثقافي، بدل الصحفيين المدربين.
يطرح كشاد حلولا عملية، منها إدراج الصحافة الثقافية كمادة دراسية مستقلة في كليات الإعلام، وإطلاق ورش تدريب مستمرة لتأهيل المحررين، إضافة إلى خطة تحريرية مستدامة تدمج الثقافة في كل الفضاءات الإعلامية، وتربطها بالحياة اليومية.
ويختم قائلا: “دمج الصحافة الثقافية في صلب الممارسة الصحفية هو مفتاح بناء الوعي، وتبسيط الخطاب دون تفريط في قيمته هو التحدي الأكبر”.
الإعلامية “فيحاء العاقب” ترسم صورة أكثر تفاؤلا للمشهد، فتقر بوجود صحافة ثقافية في ليبيا، لكن بدرجات متفاوتة من التأثير، مؤكدة أن بعض الصحفيين يبذلون جهدا حقيقيا لخلق خطاب ثقافي نقدي، غير أن الطابع العام لا يزال يكتفي بالنقل والتغطية السطحية.
في حال توفر الدعم والتخطيط، يمكن للصحافة الثقافية أن تزدهر بقوة، خصوصا مع وجود طاقات محلية مميزة”
وترى فيحاء أن غياب التراكم المعرفي، وانعدام المؤسسات الداعمة، هو ما يضعف حضور الثقافة غي الصحافة الليبية، مشيرة إلى أن ضعف التخصص والاحتراف ناتج عن غياب الصحف المتخصصة، وقلة التدريب، وتهميش الثقافة في سياسات الإعلام.
تطرح العاقب حلولا تبدا من الاستثمار في تدريب الصحفيين الشباب، وتأسيس منصات رقمية ومطبوعة متخصصة في الثقافة، ودعم التجارب الفردية مثل منصة “بلد الطيوب”، مع تعزيز الشراكات بين المؤسسات الثقافية والإعلامية.
وفي ما يخص تحديات الرقمنة، تشير إلى سرعة الإيقاع الرقمي، وضعف التمويل، وغياب الوعي بأهمية تسويق المنتج الثقافي الليبي رقميا، لكنها تؤمن بقدرة الرقمنة على توسيع نطاق الانتشار، عبر المنصات الإلكترونية، والبودكاست، واليوتيوب، ووسائل
التواصل.
أما التحدي الأكبر للصحفي الثقافي الليبي، فهو غي رأيها غياب الحوافز المالية، وندرة المنابر الجادة، وتغوّل السياسة والرياضة على حساب الثقافة. وتحرى أن الحل يكمن في خلق بيئة حاضنة، ودعم مادي ومعنوي للصحفيين، إلى جانب إدماج الثقافة في التعليم والإعلام.
أما الصحفية والشاعرة “عفاف خليفة”، فتستعيد بمرارة زمن الزخم الثقافي، حين كانت الصحافة الليبية تضج بالمقالات والنصوص والتحقيقات، مؤكدة أن تراجع الصحف الورقية جعل الصفحات الثقافية
نكتفي بالتغطيات السريعة.
ترى عفاف أن غياب التخصص هو السبب الجوهري لضعف الصحافة الثقافية اليوم، مشيرة إلى أن التركيز على الأخبار العاجلة والتغطيات اللحظية غيّب المحتوى المتقن والمتخصص، مؤكدة أن غياب التحفيز والدعم سبب آخر لاستمرار الأزمة.
وترى أن الرقمنة يمكمن أن تكون فرصة، لو أحسن الصحفيون استغلالها، عبر إنشاء منصات رقمية نتيح تواصلا أوسع مع جمهور الثقافة، مع ضمان
الاستمرارية.
لكنها تحذر من معضلة كبرى: قلة الصحفيين المتخصصين، مؤكدة أن عددهم في ليبيا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وتقول بحسرة: “التخصص هو مفتاح النجاح. وحده يصنع محتوى ثقافيا جديرا بالمتابعة. وعلى المؤسسات رسم خطط واضحة لاحتضان المواهب، وتوسيع دائرة التغطية الثقافية”.
الليبين القول إن المحافة اطافية في ليبيا ليست غائبة بالكامل، لكنها تائهة في مفترق الطرق، بيمن ماض مجيد وحاضر مرتبك، بيمن طموحات فردية وأزمات مؤسسية، بين آمال الرقمنة وألغام التهميش.
من رامز النويصري إلى صالح قادربوه، ومن عبدالحكيم كشاد إلى فيحاء العاقب وعفاف خليفة،

عفاف خليفة تحذر من معضلة كبرى: قلة الصحفيين المتخصصين، مؤكدة أن عددهم في ليبيا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وتقول بحسرة: “التخصص هو مفتاح النجاح. وحده يصنع محتوى تقافيا جديرا بالمتابعة. وعلى المؤسسات رسم خطط واضحة لاحتضان المواهب، وتوسيع دائرة التغطية الثقافية.
تتقاطع الرؤى حول ضرورة إصلاح جذري، يبدأ من الاعتراف بأهمية الثقافة، وتوفير الدعم والتدريب والتخصص، وانتهاء بإطلاق مبادرات ذكية، تدمج الثقافة في نسيج الحياة اليومية.
الصحافة الثقافية ليست رفاهية، بل حاجة مُلحّة، لبناء الوعي، وتحصين المجتمع ضد الجهل والتعصب.
ربما لا تزال الطريق طويلة، لكن الحبر لم يجف بعد، والأمل لا يزال يختبئ بين السطور.
Share this content: