×

الحكايات الشعبية الأمازيغية في ليبيا

الحكايات الشعبية الأمازيغية في ليبيا

             صراع‭ ‬الذاكرة‭ ‬والتدوين

لطالما‭ ‬شكّلت‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬الليبي،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬كونها‭ ‬وسيلة‭ ‬ترفيه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أداة‭ ‬لنقل‭ ‬الحكمة‭ ‬وتعزيز‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وقد‭ ‬تناقلت‭ ‬الأجيال‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬شفهيًا،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬مدرسة‭ ‬مجتمعية‭ ‬ترسّخ‭ ‬العادات‭ ‬وتنقل‭ ‬دروس‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصيات‭ ‬رمزية‭ ‬وأحداث‭ ‬خيالية‭ ‬تعكس‭ ‬صراع‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬والشجاعة‭ ‬والخداع،‭ ‬والعدل‭ ‬والظلم‭. ‬

       مصطفى‭ ‬علي

لكن هذا التراث الشفهي أصبح مهددًا بالاندثار مع تغير أنماط الحياة ودخول وسائل الاتصال الحديثة. يشير عياد بقوش، خريج قسم اللغة الأمازيغية بجامعة الزاوية والمهتم بالدراسات اللسانية والأنثربولوجية الاجتماعية، إلى أن «الأدب الشفهي الأمازيغي في ليبيا يعد إحدى الركائز الأساسية للثقافة، لغناه بالحكايات والخرافات الشعبية التي تتداولها الجدّات وتنقلها للنشء في ليالي الشتاء الطويلة بهدف نقل الحكمة والمعرفة الاجتماعية لدى الأمازيغ عبر الأجيال. ولطالما كان له دور محوري في تنمية الصغار وتعليمهم القيم الاجتماعية المشتركة للمجتمع، وربط الأجيال ببعضها البعض، لكن ظهور “التلفزيون” ومن بعده الانترنت أدى إلى تراجع هذا الدور بشكل كبير». ويضيف بقوش: «أن وسائل الاتصال الحديثة، المتمثلة في الانترنت، أقصت دور الجدّات كرافد مهم لنقل الحكمة والمعرفة الاجتماعية». 

ورغم هذا التراجع، لم تتوقف محاولات الحفاظ على الحكايات الشعبية من خلال التوثيق والتدوين، حيث شهدت العقود الماضية إصدار العديد من الكتب التي جمعت هذه القصص، مثل (حكايات منتصف الليل) للأديب الليبي الراحل سعيد السيفاو المحروق، الذي وثق فيها حكايات متداولة في جادو والمناطق المجاورة. كما تناولت دراسات أكاديمية بعض هذه القصص، مثل مشروع تخرج الطالب حسين المنصوري في جامعة الزاوية، الذي جمع الحكايات الشعبية المتداولة في زوارة. 

وعلى المستوى العالمي، أوضح بقوش أن ‘‘هناك عدة دراسات نُشرت حول الأدب الشفهي الأمازيغي منذ القرن التاسع عشر، مثل أبحاث “أدولف هانوتو” حول القصص الشعبية في منطقة القبائل بالجزائر، وأعمال “رينيه باسيه”حول الأدب الشفهي للطوارق وأمازيغ الجزائر والمغرب’’، مضيفاً أن ‘‘أحدث دراسة تناولت هذا التراث هي كتاب القصص والخرافات في شمال إفريقيا ومصر القديمة للباحث كليف جيلسون، الذي صدر عام 2021 ويحتوي على مجموعة واسعة من القصص الأمازيغية’’. 

     التحديات اللغوية والثقافية 

جهود التوثيق وحدها لا تكفي، إذ تعتمد هذه الحكايات بشكل أساس على اللغة الأمازيغية، التي تواجه بدورها تحديات نتيجة تراجع استخدامها وتهميشها سياسيًا وثقافيًا، كما يوضح بقوش: «اللغة الأمازيغية في ليبيا تعاني تهميشًا أيديولوجيًا من قبل الأغلبية الحاكمة، التي تمارس عقيدتها القومية بشكل إقصائي، رغم صدور قانون رقم (18) لعام 2013، الذي منح وزارتي الثقافة والتعليم صلاحيات لدعم المكونات الثقافية واللغوية”. 

ويقترح بقوش تفعيل اللغة الأمازيغية ضمن مؤسسات الدولة، بما يشمل طرابلس وبنغازي وسبها، باعتبارها عواصم لكل الليبيين، مما يساهم في تعزيز حضور هذه اللغة وإحياء التراث المرتبط بها.

     مبادرات توثيق التراث الشفهي 

من جانبه، يؤكد د. فتحي أبو زخار، مدير المركز الليبي للدراسات الأمازيغية، أن غياب التوثيق أدى إلى فقدان جزء كبير من الحكايات الأمازيغية، مشيرًا إلى أن «سياسات التعريب كان لها الدور الأكبر في انحسار هذا التراث»، موضحًا أن «النظام السابق تبنّى ممارسات ممنهجة لتقليص الحكايات الشعبية الأمازيغية». 

ولمواجهة هذا التحدي، -والحديث لــ “أبو زخار”-  أطلق المركز الليبي للدراسات الأمازيغية مشروعًا لتحويل الحكايات الشفوية إلى نصوص مكتوبة، والذي يتوافق مع مضمون شعار المركز (اللوجو)، وهو ‘توتلايت تامازيغت سق أوال ن تيرا’ أي اللغة الأمازيغية من الشفاهة إلى الكتابة. وهذا الشعار يجسّد التحول إلى الكتابة بحروف التيفيناغ عوضاً على الكلام الشفوي الذي قد يضيع مع مرور الزمن». مشيرا إلى أن جهود المركز أسفرت عن “إصدارات موثقة، مثل كتاب قصص من النفوسيين، للمؤلفين سعيد يوسف عمليش وعلي يحيى المجدم، المكتوب بحروف التيفيناغ واللاتيني، والمترجم إلى العربية’’. 

هناك‭ ‬قوانين‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬طمس‭ ‬التراث‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬حمايته،‭ ‬مثل‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬12‭) ‬لسنة‭ ‬1984‭ ‬والقانون‭ ‬رقم‭ (‬24‭) ‬لسنة‭ ‬2002،‭ ‬اللذين‭ ‬يمنعان‭ ‬استعمال‭ ‬أي‭ ‬لغة‭ ‬غير‭ ‬العربية‭. 

ولإحياء هذه الحكايات الشعبية، يرى أبو زخار أن دمجها في الأدب والمسرح والشعر قد يساهم في الحفاظ عليها، مؤكدًا أهمية التكنولوجيا في عمليتي التوثيق والنشر والتواصل. 

لكن غياب القوانين الداعمة يبقى تحديًا، إذ يوضح أبو زخار أن هناك قوانين تسهم في طمس التراث بدلًا من حمايته، مثل القانون رقم (12) لسنة 1984 والقانون رقم (24) لسنة 2002، اللذين يمنعان استعمال أي لغة غير العربية. ولتشجيع الباحثين، يخصص المركز مكافآت مالية للمؤلفات والدراسات حول التراث الأمازيغي، في محاولة لتعزيز البحث والتوثيق. 

فتحي  أبوزخار      

 

منصور خواد               

 ‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬تواجه‭ ‬خطر‭ ‬الاندثار‭ ‬نتيجة‭ ‬غياب‭ ‬التوثيق،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنقوش‭ ‬الأثرية‭.

ويشير أبو زخار إلى أن “هناك مركزاً للثقافات المحلية، والمركز الليبي للدراسات الأمازيغية الذي أنا مكلف به، ولكن لا يمكن استشعار جدية الحكومة في تأدية رسالة الحفاظ على التراث الأمازيغي وتوثيقه، حيث إنه حتى الآن لم يتم تخصيص مقر للمركز، مما يجعله تحت رحمة الإيجار”. 

ويؤكد أبو زخار على ضرورة بذل جهود جديّة في توثيق الحكايات الشعبية الأمازيغية، وتشجيع نشرها وتداولها لضمان استمرارها للأجيل القادمة.

       الأدب الشفهي الأمازيغي في ليبيا  إحدى الركائز الأساسية للثقافة، لغناه بالحكايات والخرافات الشعبية التي تتداولها الجدّات وتنقلها للنشء في ليالي الشتاء .

     التعليم والتكنولوجيا لحفظ التراث القصصي

يشدد المواطن منصور خواد من غات على أن الحكايات الشعبية الأمازيغية تواجه خطر الاندثار نتيجة غياب التوثيق، حيث يعتمد تداولها على النقل الشفهي، مما يعرضها للنسيان. ويؤكد أن جهود التوثيق لا تزال محدودة، خاصة فيما يتعلق بتوثيق النقوش الأثرية التي تعكس هذا الموروث. 

ويطرح خواد فكرة إدراج الحكايات الأمازيغية ضمن المناهج الدراسية، مشيرًا إلى أن «تعليم الأجيال الناشئة هذه الحكايات سيعزز الهوية الوطنية ويثري التنوع الثقافي». لكنه يرى أن المبادرات الحالية تفتقر إلى التطوير الكافي، كما أن الفعاليات الثقافية، مثل مهرجان غات، لا تستقطب الشباب بما يكفي لجعلهم جزءًا من عملية الحفاظ على التراث. 

ويدعو خواد إلى استثمار التكنولوجيا الحديثة في نشر الحكايات الأمازيغية، موضحًا أن «منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست يمكن أن تلعب دورًا محورياً في هذا المجال».

Share this content:

إرسال التعليق