أرقام لاتراها العين
نجاح مصدق
كثيرا ما تدفعنا الحاجة لتعقب لوازم صرنا لانستطيع التخلي عنها ،ذات صباح، ساقتني الحاجة للبحث عن قارورة عطر تشبهني ربما،
أوهكذا يخيل إلي.
أمام رفوف العطور في احد المتاجر الفاخرة التي زرتها فضولا تتكي زجاجات العطور الصغيرة مغلفة بوعود خفية برائحة لا تنسى.
عددت يدي نحو زجاجة تحمل اسماً مألوفاً، قلبتها في يدي، وحين استقرت عيناي على السعر، شعرت بما يشبه الصدمة المباغتة..
القيمة تصل ما يقارب 130 دولارا، حاولت تبرير الرقم لنفسي، ربما لأن العطر أكثر تركيزًا، ربما لأن رائحته تدوم أطول، لكن قبل أن أَسلم بالأمر، امتدت يدي الأخرى تلقائيًا إلى الرف المقابل، نفس العلامة، نفس الحجم، لكن هذه المرة…
زجاجة رجالية. والسعر 100 دولاراً فقط!
خلال رحلة تقص متعمدة، وجدت شفرات الحلاقة النسائية أغلى بنسبة 13% من شفرات الرجال، والقطن الطبي، العبوة الوردية أغلى من القطن العادي، والجينز النسائي أعلى سعزا بنسبة 10 % من الجينز الرجالي، أما مستحضرات العناية الشخصية الفرق قد يصل إلى 48 %
لصالح الرجال.
حتى ثمن الحلاقة وقص الشعر يختلف في مراكز التجميل بين الذكور والإناث.
بعد هذا لايمكن أن تكون هذه مجرد صدفة
أرقام لاتراها العين
أو استراتيجية تسويقية بريئة، بل كانت لعبة محسوبة بدقة.
حين ثُدرك أن النساء يُشكّلن حوالي 70% من قرارات الشراء الاستهلاكية عالميًا، يصبح من السهل فهم لماذا تصمم الشركات أسواقها؟ فالرأسمالية لا تميز بين جيب رجل وامرأة، لكنها تعرف كيف تجعل جيب المرأة ينزف أكثر؟ تشير الدراسات إلى أن النساء يدفعن 1351 دولازا إضافيا سنويا مقارنة بالرجال، فقط لأنهن نساء، فهذا الرقم يعني أشياء كثيرة، راتب شهر قد يُنفق فقط على فارق السعر غير المبرر وقدرة شرائية أضعف للمرأة، مما يجعلها أكثر تضرزا اقتصاديًا على المدى الطويل، حيث يتم تغليف التمييز بالسعر على أنه مجرد “إستراتيجية سوقية” بينما تدفع المرأة ضريبة وردية فقط
لكونها أنثى!
كنت أحسب أن التمييز يحدث في الأجور، في الوظائف، في فرص الترقّي، لكنني أدركتْ أن المعركة تبدأ من رف صغير في متجر، من لون زجاجة، من اختيار بسيط لا يبدو مهفا، لكنه يخفي خلفه اقتصادًا كاملا ضفم ليستفيد من جيب كل سيدة!.
خرجتُ من المتجر وأنا أفكر: كم دفعتُ طوال حياتي ثمنًا لكوني امرأة؟ ولماذا يُباع لي العالم بسعر مختلف، رغم أنني لم أختر أن أحمله بلون وردي؟
Share this content:
إرسال التعليق